في مديح السينما المصرية
في سنوات دراستي الأولى في جامعة بيرزيت، أنشأت رفقة مجموعة من الأصدقاء مجموعة لمناقشة الكتب، ولاحقاً تطوّرت لتبدأ بمناقشة بعض الإنتاجات السينمائية. وفي جلستنا التنظيمية الأولى، اقترحت الفيلم المصري "حب فوق هضبة الهرم"، غير أنّ اقتراحي قوبل بشيء من السخرية المُزعجة، وتمّ رفضه بإجماع شبه كامل. حينها اعترضت وطلبت أنّ يتم الاختيار بناءً على التصويت، وكما في كلّ مرة، خانتني الديمقراطية اللعينة وخسر فيلمي أمام فيلمٍ أميركيٍ لا أتذكر اسمه حتى.
حينها قرّرت أنّ أنقلب لأول مرة في حياتي، وشعرت بأنني ضابطُ جيش يتمرّد على خيارات الشعب، ومن شدّة حماستي بدأت اتهام الجميع بأنهم ليسوا سوى حفنة من المثقفين الذين يعانون من عقدة التشبّه بالغرب، ينظرون إلى الأعمال العربية بشيء من الازدراء والفوقية اللعينة.
استخدمت كل سُبل الإقناع حينها، ابتداءً من تمجيد كاتب الرواية التي استُمد منها الفيلم، وهو نجيب محفوظ، مروراً بالإطراء على أعمال المخرج المبدع عاطف الطيب، نهايةً بذكري بطل الفيلم أحمد زكي. ورغم أنّ أصدقائي المثقفين في تلك اللحظة لم يعيروا الانتباه كثيراً، إلا أنني كنت مصراً أنّ أشرح لهم كيف أنّ الفيلم يستعرض حالة شاب يعاني أزمة عاطفية وأخرى مالية، في ظلّ تردّي الأوضاع المعيشية والوظيفية والخذلان الذي أصابه من كامل مراكز القوى في البلد، وهو ما كنت أعتقد أنه سيجذبهم لما لذلك من تشابه مع حالتنا.
بعد أنّ خانتني الديمقراطية وساندت بلدها الأم (الغرب)، قرّرت أنّ أكمل انقلابي على السينما الغربية وبعض المهووسين فيها، وأنّ أساند الإنتاجات العربية والمصرية منها بالتحديد، وفي كل نقاشِ كان يُفتح حول الإنتاجات السينمائية، أجد نفسي مستطرداً في الحديث عن مصر وإنتاجاتها، وأدعم رأيي ببعض المقولات الثقافية على غرار "السينما مرآة المجتمع"، علني أستطيع بذلك جذب ثلّة المثقفين المهووسين بالغرب، إلا أنني كنت أفشل في كلّ مرّة كما العادة.
بعد أنّ خانتني الديمقراطية وساندت بلدها الأم (الغرب)، قرّرت أنّ أكمل انقلابي على السينما الغربية وبعض المهووسين فيها
بعد تخرجي من الجامعة بفترة قصيرة، قال لي صديق ذات مرّة إنّه سيهديني عباءة مصرية و"شيشة"¡ ويجلس معي على أحد أرصفة مقاهي رام الله، وذلك "ليوفر عناء السفر، فبدلاً من أنّ يذهب إلى مصر، سيجلبها إلى رام الله، مختصراً بذلك عناء السفر وتكاليفه"، خصوصاً أنّ شكل شعري على حدّ وصفه يذكره بالمصريين في سبعينيات القرن الماضي.
أكتب الآن إلى كلّ زملائي في مجموعة النقاش.
أكتب الآن إلى كلّ من جذبهم الغرب وإنتاجاته اللعينة بدلاً من الإبداع العربي (رغم قلة الموارد والقدرات).
أكتب الآن إلى أصدقاء كرّروا سخريتهم من أني أعيش دور البطل في أحد الأفلام المصرية القديمة حتى صدّقتها وصرت أتقمص الدور.
أكتب الآن إلى أحمد زكي وإلى نجيب محفوظ، وإلى كل من ساهم يوماً في إثراء هذا الإبداع الفني الذي يفتقد إلى أبسط الأدوات.