فوز جبهة العمل الإسلامي.. لا مفاجأة ولا غرابة

12 سبتمبر 2024
+ الخط -

شهدت الانتخاباتُ النيابيّة الأردنية (10 سبتمبر/أيلول الجاري) صعودًا لافتًا في عدد المقاعد التي حققها مرشحو حزب جبهة العمل الإسلامي، سواء في القوائم المحليّة أو العامة. وما إن أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات النتائج الأوليّة، حتى بادر المحلّلون بالهجوم على ذهنيّة المواطن الأردني بتحليلاتهم وقراءتهم، وربّما تأويلاتهم لهذه النتائج.

وكالعادة، تباينتْ وجهاتُ نظرِ المحلّلين في قراءةِ هذه النتائج وتحليلها وتأويلها. فبعض المحلّلين ربط بين فوز حزب الجبهة وحداثة الأحزاب الأخرى قياسًا لقدم الجبهة النسبي مقارنةً بها، وربط آخرون النتيجة بجماعة الإخوان المسلمين، على اعتبار أنّها الأم الحاضنة والوعاء الكبير للحزب ومرشّحيه والكثير من أنصاره، كذلك ربط غيرهم بين هذا الفوز والتدنّي في النسبة العامة للمشاركة بالانتخابات، ووصل الأمر بالبعض أنْ ربط هذه النتيجة بما سمّاه النزاهة المُفرطة للانتخابات.

وعدّ مُحلّلون هذه النتيجة مُفاجئة ومخالفة للتوقّعات واستطلاعات الرأي التي جرى تداولها وترويجها قبل الانتخابات، والتي لا تقدّم في كثير من الأحيان صورةً قريبةً عمّا يدور في الذهنيّة المجتمعيّة، حيث كانت التوقّعات مبنية على فرضيّة تدخل الجانب الرسمي في نتائج الانتخابات وهندسة نتائجها. أمّا استطلاعات الرأي، فهي الأخرى، وحتى في أعرق الدول وأكثرها تقدمًا وديمقراطيةً، لا تعدو كونها أدوات لتوجيه الرأي العام بدلًا من قياسه. ومن جهةٍ أخرى، تبدو هذه الاستطلاعات مُحايدة، ولكن نظرة مدقّقة إلى الأسئلة والخيارات المطروحة، ستبيّن أنها تحصر العينة المستهدفة في إجاباتٍ وخياراتٍ محدّدة جدًا، ولا تسوّق في النهاية إلّا للنتيجة التي تريدها الجهة التي قامت بهذا الاستطلاع أو أمرتْ بإجرائه.  

فكر الحركة الإسلامية متجذر في المجتمع الأردني رغم السعي الحثيث لشيطنتها وعزلها عن جماهيرها وقواعدها

وبغضّ النظر عن وجاهة ما طُرح، هناك جملة من الحقائق لا بدّ من التوقف عندها، وهي:

أولًا، إنّ التديّن في المجتمع الأردني سمة أصيلة، وأغلب السكان فيه مسلمون. ولا أريد هنا الوقوف طويلًا عند مؤشّرات الحالة الدينية في الأردن، ولكن يكفينا الدخول إلى موقع دائرة الإفتاء الأردنية والاطلاع على الكمّ الهائل من الأسئلة الفقهية، لندرك أهميّة الجانب الديني في حياة الشعب الأردني.

ثانيًا، إنّ فكر الحركة الإسلامية متجذر في المجتمع الأردني، رغم السعي الحثيث لشيطنتها وعزلها عن جماهيرها وقواعدها. كذلك فإنّ الحركة ممتدّة، جغرافيًا وقطاعيًا، فأبناء الحركة موزّعون على امتداد الجغرافيا الأردنية بمدنها وأريافها وبواديها ومخيّماتها، كذلك فإنّهم موزّعون على مختلف القطاعات التعليمية والصحيّة والهندسية والحرفية، الأمر الذي يوسّع دائرة الانتشار والتأثير.

ثالثًا، يُعتبر أبناء الحركة الإسلامية قدوات للكثيرين من أبناء المجتمع الأردني بحسن سيرتهم وسلوكهم الشخصي، وإخلاصهم، وتفانيهم في وظائفهم وأعمالهم وأماكن وجودهم وخدمة مجتمعهم.

رابعًا، إنّ التجربة التراكمية والأداء البرلماني المتميّز لنواب جبهة العمل الإسلامي والحركة الإسلامية في المجالس البرلمانية المُتعاقبة ومصداقيتهم وملامستهم لهموم الوطن والمواطن واصطفافهم إلى جانب قضايا المجتمع والأمّة وعدم سعيهم لتحقيق المكتسبات الشخصيّة على حساب معاناة المواطنين إلى جانب مناصرتهم لقضايا الأمة المصيرية والكبرى، وعلى رأسها القضيّة الفلسطينية، هذه كلها عوامل ساعدت في نجاحهم.

وبقراءة هذه الحقائق والتمعّن بها وربطها ببعضها وتأمّلها، نجد أنّه لا غرابة ولا مُفاجأة في هذه النتيجة، وربّما كانت أفضل وأكثر عددًا لو أتيحت الفرصة للعديد من الوجوه في الحزب والحركة الإسلامية لخوض غمار هذه التجربة، وربّما لو أتيحت الفرصة للمغتربين خارج الوطن للإدلاء بأصواتهم لتعزّزت هذه النتيجة أكثر.

وفي النهاية، تبقى إرادة الشعب مقدّرة ومحترمة وطالما كانت غلّابة. 

5E89F286-5164-4EC7-A49E-1BA28062B8B1
بكر محمد البدور
باحث متخصص في الشؤون التركية وقضايا الشرق الأوسط. يعمل مدرباً للكوادر البشرية، ورئيساً للعديد من الهيئات الثقافية والاجتماعية، وله ثلاثة كتب منشورة.