فشة حواجز: الفرقة الرابعة
عزيزي المواطن السوري:
عنوان هذه الفشة يرعبك؛ أعرف ذلك، وأعرف أيضاً أنك لا تصدق أكذوبة الحصار والعقوبات الخارجية، ولا تلك الادعاءات الممجوجة عن قانون "قيصر" الذي جعله إعلام النظام السوري شماعة لسرقتك وتجويعك، وحجة لارتفاع الأسعار، وتدهور الاقتصاد، وتضخم العملة، والسبب الرئيس في تراجع الزراعة وتوقف الإنتاج الصناعي، وربما عن الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون، وعدم نزول المطر لو استطاع إقناعك بذلك.
ولكن؛ رغم معرفتك بالعنوان، هل تعرف القصة الحقيقية وراء كل ما سبق؟ قصة الأسعار الباهظة نتيجة الإتاوات المفروضة منذ البداية حتى وصولها إليك، تابع معي إذاً.
بعد رسو البواخر المحملة بالبضائع في المرفأ، واستحصال جميع الأذونات والتصاريح اللازمة ودفع الضرائب المطلوبة، تصبح قانوناً جاهزة لتفريغ بضاعتها، بعد الإفراغ يجري وضع المستوردات في المستودعات والساحات، حسب تصنيف البضاعة، لكن لن يجري إخراجها إلا بعد توقيع "غفير" عسكري يتبع للفرقة الرابعة، ولن يستطيع بشري مهما علا شأنه شحنها خارج المرفأ، حتى ولو كان رئيس الوزراء نفسه (وهذه حادثة حصلت بالفعل وليست من باب المبالغة).
و"جرّة قلم" هذا الغفير تستلزم رسوماً ليست ضمن قانون الجمهورية العربية السورية، ولا تدخل إلى خزينتها مطلقاً، لكن المتعارف عليه أنها "إتاوة الرابعة"، وهذه الإتاوة تكون مزاجية بشكل كبير، فقد تتراوح بين عشرين بالمئة إلى مئتين بالمئة. وعلى التاجر أن يدفع مرغماً، وإلا فقد بضاعته بعد وقت معين نتيجة التلف، إذا كانت مواد استهلاكية، أو لارتفاع تكلفة تخزينها، حيث تصبح قيمة شرائها أقل من ثمن تركها في مستودعات الإفراغ، ويجري الاستيلاء عليها قانوناً، وعرضها للبيع بالمزاد العلني لاستيفاء أجرة التخزين.
لا يعد خروج البضاعة من المرفأ للنقل إلى المحافظات السورية نهاية الأمر أبداً، على العكس تماماً، لقد بدأت فعلياً سلسلة من الإتاوات المتتالية. فعلى الطرق الدولية الواصلة بين جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري تتموضع حواجز الفرقة الرابعة، "شغلتها وعملتها" فرض مبالغ معينة على شاحنات النقل أياً كانت تبعيتها. والمدهش أن فرض إتاوة النقل هذه يخضع لاعتبارين، الأول هو نوع البضاعة المنقولة، فكلما علت قيمتها ارتفعت إتاوتها، والثاني هو الشاحنات الناقلة ذاتها، حيث يقاس طولها وعرضها مع ارتفاعها مضروباً بالقيمة المالية المفروضة على كل متر مساحة.
صدقوا أو لا تصدقوا... بعد ذلك، على المستورد أن يدفع إتاوة ثالثة عند إدخال بضاعته إلى أي مدينة صناعية توجد بها مخازنه أو معمله، إن كان صناعياً. فالمداخل والمخارج أيضاً متخمة بالحواجز، ثم الإتاوة الرابعة بعد تصنيعها وإخراجها من المدينة الصناعية نفسها التي تفرض على التجار الذين اشتروها لبيعها إلى المستهلك، لتكون الإتاوة الخامسة من قبل حواجز الطرقات السابقة ذاتها عند إعادة نقلها بالشاحنات إلى المحافظات والمدن.
لا تقتصر إتاوات "الفرقة الرابعة" على البضائع المستوردة من الخارج، فحتى أبسط المواد المنتجة والمصنعة كلياً داخل سورية تخضع لهذا الفرض الإجباري
لا تقتصر إتاوات "الفرقة الرابعة" على البضائع المستوردة من الخارج، فحتى أبسط المواد المنتجة والمصنعة كلياً داخل سورية تخضع لهذا الفرض الإجباري. كالرخام أو الرمال والحصى المستخدمة في عمليات البناء والمستخرجة من المقالع الصخرية، بالقرب من دمشق، وفي الساحل السوري. جرى نشر الحواجز على جميع الطرق المؤدية إليها، وعلى المواطن الذي يحلم ببناء وامتلاك بيت صغير أن يدفع "بالجزمة".
كذلك السيارات القادمة من مناطق سيطرة "قسد"، وعلى الرغم من أنها مسجلة بشكل قانوني في مديريات النقل والمركبات وتحمل لوحات سورية نظامية، لكن يجبر مالكوها على دفع إتاوات خيالية في حال قيادتها دخولاً إلى مناطق سيطرة النظام. كما أن الشاحنات التي تنقل المنتجات الزراعية يومياً إلى "أسواق الهال" تخضع لذلك أيضاً، ولو بشكل جزئي.
أما آخر الإتاوات فكانت على زيت الزيتون، فإنتاج سورية لهذا العام فاق أفضل التوقعات المتفائلة، وخصوصاً في الساحل السوري. هنا كشرت الفرقة الرابعة عن أسنانها وبدأت بالتحضير لفرض ما أسمته "رسم المعاصر"، وهذا ما أثار أهالي الساحل في طرطوس واللاذقية، وضجت مواقع التواصل باستهجان الأمر والتحذير من عواقبه. ليتم نفي الأمر وطمأنة المزارعين وأصحاب معاصر الزيتون بأنها إشاعة مغرضة. والحقيقة أنه جرى تحصيل هذا الرسم المزعوم، ولكن بطريقة مواربة، حيث فُرضت ما نسبته مئة بالمئة على كل "تنكة زيت" تُنقل بين محافظة وأخرى. وهذا ما أدى لتضاعف سعرها، مثلها مثل أغلب المواد بالمسيرة المظفرة نفسها، ولا شيء يفلت من قبضتها.
الفرقة الرابعة التي من المفروض أن عملها قتال العدو بالسلاح وليس قتل الشعب بحواجز "التشليح". ليست الجهة الوحيدة التي تفرض الإتاوات، فهناك من هو ألعن وأدق رقبة، إنه "المكتب السري" وهذا عنوان الفشة القادمة... فلا تخف.