غزة واكتشاف العالم الجديد
لا شيء مثل التجربة تكشف لنا حقائق الأشياء، ومعنى الأحداث، وتُعيد توزيع العناوين حسب أفعالها، وليس حسب ما ترفعه من شعارات.
ولقد ظلّ الإنسان المعاصر، يعيش، وما زال، تحت وطأة ضخ معرفي وإعلامي عنيف للغاية، لكنه يقدّم بشكل مرن وسلس لا يكاد يشعر به المرء.
ولذلك نجد أنّ الكثير من الرؤى والمفاهيم والتصوّرات ترسخت في وعينا من دون أن ندرك ذلك، وهو نتاج طبيعي ومنطقي لما يلاقيه القارئ من أفكار فيما يقرأ، أو ما يشاهده المتابع على الشاشات من مشاريع متكاملة تتسلّل إليه في صورة ضاحكة أو دراما مثيرة، أو حتى فيلم كرتون يُدّعى أنّه مخصّص للأطفال!
وليس من المبالغة أو الوقوع تحت ضغط نظرية المؤامرة القول إنّ ما يُكتب ويُصاغ اليوم هو صادر عن منظومة معرفية وثقافية متكاملة، وما التنوّع الحاصل إلّا في الوسائل والأساليب والأدوات، وهذه المنظومة غدت تسكن معنا في أوطاننا بفعل ثورة الاتصالات.
وهنا يُثار السؤال: هل ما نشهده اليوم من تعاطي المنظومة الغربية مع أحداث غزة هو تغيّر لوجهها أم أنّه كشف للعالم الجديد في فكره ومواقفه؟!
الحقيقة أنّ هذا هو الوجه الحقيقي، والذي كان يتغطّى سابقاً بستار رقيق لا يكاد يخفي بشاعة منظره على الرغم من كلّ مساحيق التجميل التي تحمل أغلى الماركات، وإنّ اللحظات الفارقة والمفصلية لا تحتمل المجاملات ولا الادعاءات، فهي لحظة إثبات الولاء والانتماء، ويا ليتنا نتعلّم من كلّ ذلك.
لقد كشفت أحداث غزة وجه العالم الجديد، فبات التصحيح مسؤولية وواجباً والتزاماً
وقبل سنوات، نادى الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، الأمة لتصحو تحت عنوان "هم ما تغيّروا نحن الذين تغيرنا!" وكشف في ذلك الوقت أنّ المنظومة الغربية المعادية تنطلق من أسس فكرية ورؤى دينية تفرض شكلاً للصراع، ومن الواجب التسلّح بما يوازيها بدلاً من التسلح بأعواد القصب أو الاختباء خلف الجدران المتهالكة كما نفعل!
لقد ظهر جلياً مدى التلاعب بالألفاظ، والانحياز المقيت لصالح الجلاد، والتزييف الفاقد للحياء للحقائق والمعلومات، والاستقطاب الحاد لمجموعة التماسيح المتظاهرين بالإنسانية الكاذبة!
ومجابهة كلّ ذلك تحتاج إلى جهد عظيم، وتفكير استراتيجي يتجاوز المبادرات الفردية التي تتسع اليوم بشكل طيب، لكنها لا تزال دون المستوى لانعدام التكافؤ بين الطرفين، فالحاجة تستلزم إيجاد البديل المكافئ، وبشكل مؤسّسي يجابه كلّ سيول الخداع بأمواج الوعي الملتزم.
لقد كشفت أحداث غزة وجه العالم الجديد، فبات التصحيح مسؤولية وواجباً والتزاماً.