غزة: الإبادة بتدمير القطاع الصحي

24 يوليو 2024
+ الخط -

بفعل استمرار العدوان وجرائم الإبادة الجماعيَّة التي ترتكبها قوَّات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي، يواجه سكَّان قطاع غزَّة المحاصَر تهديدًا خطيرًا جرَّاء انتشار الأمراض المعدية والفتَّاكة بين النازحين، وانتشار التهابات الكبد الوبائيّ والنزلات المعويَّة والجلديَّة والتهابات الجهاز التنفُّسيّ، وأخيرًا اكتشاف فيروس مسبِّب لشلل الأطفال في مياه الصرف الصحِّيّ والمستنقعات التي تتجمَّع وتجري بين خيام النازحين وفي أماكن السكَّان نتيجة تدمير البنية التحتيَّة، وتراكم الدمار وتحلُّل جثث البشر، خاصَّة التي ما زالت تحت الأنقاض، وتراكم أطنان القمامة ومنع الاحتلال إدخال موادّ النظافة، وإصلاح خطوط الصرف الصحِّيّ.

يقابل انتشار الكارثة الصحِّيَّة العامَّة وسرعة تفاقمها الناجمة عن حرب الإبادة الجماعيَّة التي يشنُّها الاحتلال ضدّ سكَّان القطاع منذ ما يقارب 10 أشهر، واستمراره بالعدوان البربريّ وتدمير جميع مقوِّمات الحياة في قطاع غزَّة، استهداف النظام الصحِّيّ، وحرمان السكَّان من تلقِّي الخدمات الطبِّيَّة الأساسيَّة والعلاج الضروريّ، وكذلك استمراره بعرقلة دخول المساعدات الإنسانيَّة اللازمة للتصدِّي للأوبئة والأمراض السارية والحدّ من آثارها على نحوٍ فعَّالٍ وسريع، ناهيك عن آثار الأدخنة السامَّة الناتجة عن استخدام الأسلحة المحرَّمة دوليًّا، والقصف الجوِّيّ والحرائق والتدمير التي تزيد من فرص انتشار السرطان خاصَّة سرطان الرئة.

ذكر المرصد الأورومتوسطيّ في تقريره إلى أنَّ كوارث صحِّيَّة وبيئيَّة آخذة بالتفاقم وبشكل متسارع نتيجة تواصل العدوان وهجمات الاحتلال المدمِّرة، ونبَّه إلى التداعيات الخطيرة والكارثيَّة على صحَّة السكَّان والبيئة العامَّة، محذِّرًا من أنَّ الأطفال، خاصَّة المواليد الجدد، وكبار السنّ، وأصحاب الأمراض المزمنة، هم الأكثر تأثُّرًا بهذه الكارثة الصحِّيَّة.

ولفت المرصد الأورومتوسطيّ إلى أنَّه في الوقت الذي تتصاعد فيه درجات الحرارة في قطاع غزَّة، وتتعطَّل غالبيَّة خطوط أنابيب المياه الرئيسيَّة، وتتضرَّر أنظمة الصرف الصحِّيّ على نطاق واسع، يحصل السكَّان على كمِّيَّات مياه نظيفة أقلّ بكثير ممَّا يحتاجون إليه، وغالبيَّتهم يضطرُّون إلى استخدام مياه ملوَّثة غير صالحة للشرب.

ويرتبط الماء الملوَّث وتردِّي منظومة الصرف الصحِّيّ بانتشار أمراض مثل الكوليرا والإسهال والدوسنتاريا والالتهاب الكبديّ الوبائيّ، وفقًا لمنظَّمة الصحَّة العالميَّة، والتي حذَّرت منذ أشهر من كارثة صحِّيَّة وبيئيَّة شاملة يواجهها سكَّان قطاع غزَّة.

يأتي ذلك في ظلّ أزمة نقص حادَّة في المياه الصالحة للشرب يشهدها قطاع غزَّة، على إثر توقُّف غالبيَّة آبار المياه بسبب نفاد كمِّيَّات الوقود وما لحق بمحطَّات التحلية من دمار وأضرار جسيمة، في وقت تتصاعد فيه الأزمة مع بدء زيادة الطلب والاستهلاك.

أدَّى نقص الوقود في ظلّ أزمة انقطاع الكهرباء كلِّيًّا إلى إغلاق محطَّات تحلية المياه ومحطَّات الصرف الصحِّيّ، ما زاد من خطر انتشار العدوى البكتيريَّة، إذ إنَّ مياه الشرب الملوَّثة تنقل أمراض الإسهال والدوسنتاريا والتيفوئيد وشلل الأطفال.

منذ بدء العدوان على قطاع غزَّة، أغلق الاحتلال الأنابيب التي تمدّ غزَّة بالمياه وقطع إمدادات الكهرباء والوقود، وبموازاة ذلك، قال المرصد الأورومتوسطيّ إنَّ انهيار المنظومة الصحِّيَّة وعدم توفُّر مستشفيات متكاملة في مدينة غزَّة وشمالها، والضغط الهائل على المستشفيات القليلة التي بقيت تعمل جنوب القطاع يهدِّد بارتفاع أعداد الضحايا بشكل غير مسبوق.

واستعرض الأورومتوسطيّ جوانب من التأثيرات الصحِّيَّة والبيئيَّة للحرب، مشيرًا إلى تراكم أكثر من 270 ألف طنّ من النفايات الصلبة في قطاع غزَّة، بحسب تقديرات الأمم المتَّحدة، والمنتشرة في التجمُّعات السكَّانيَّة والطرقات والساحات والمستشفيات بما في ذلك النفايات الصحِّيَّة، وذلك بسبب تدمير مرافق إدارة النفايات ونظام جمع ومعالجة النفايات في القطاع، وهو ما يشكِّل كارثة بيئيَّة وصحِّيَّة بحدّ ذاته، ويهدِّد بأن يكون مصدرًا آخر لانتشار أمراض وأوبئة، الأمر الذي بدأ يظهر بوضوح في مخيَّمات النزوح المكتظَّة، لا سيَّما في ظلّ تدمير الهياكل الأساسيَّة لخدمات المياه والصرف الصحِّيّ.

وفقًا لتحليل جديد شامل أصدرته مجموعة التغذية العالميَّة، فإنَّ ما لا يقلّ عن 90% من الأطفال دون سنّ الخامسة مصابون بمرض معدٍ واحد أو أكثر

وأشار الأورومتوسطيّ إلى أنَّ وجود آلاف الجثامين في الطرقات وتحت أنقاض المنازل وتحلُّلها، ونهشها من القطط والكلاب يشكِّل عاملًا إضافيًّا لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية وتهديدها الصحَّة العامَّة والبيئة في قطاع غزَّة.

ورصدت الجهات الصحِّيَّة في قطاع غزَّة نحو مليون إصابة بأمراض معدية، دون أن تتوفَّر لديها الإمكانيَّات الطبِّيَّة اللازمة لمعالجتها، بينهم آلاف المصابين بالتهاب الكبد الوبائيّ الفيروسيّ.

ووفقًا لتحليل جديد شامل أصدرته مجموعة التغذية العالميَّة، فإنَّ ما لا يقلّ عن 90% من الأطفال دون سنّ الخامسة مصابون بمرض معدٍ واحد أو أكثر. وأصيب 70% بالإسهال في الأسبوعين الماضيين، أي بزيادة قدرها 23 ضعفًا مقارنة بخطّ الأساس لعام 2022.

وذكر المرصد الأورومتوسطيّ أنَّ عشرات آلاف الأطنان من المتفجِّرات والقنابل التي ألقتها طائرات الاحتلال على المنازل وما خلَّفتها من عوادم ودخان إلى جانب ما ورد عن استخدام قنابل دخانيَّة وفسفوريَّة من شأنه مضاعفة التدمير الصحِّيّ والبيئيّ الخطير الحاصل منذ أشهر.

وتشير المعطيات إلى تسجيل عشرات آلاف الإصابات المتعلِّقة بالتحسُّسيَّة التنفُّسيَّة وأمراض الربو وحساسيَّة الصدر الناجمة عن الأدخنة والغبار الناجم عن القصف والركام والقذائف.

وأفاد الأورومتوسطيّ بأنَّ عمليَّات التجريف الممنهج للأراضي الزراعيَّة واقتلاع الأشجار أو قصفها وتحويلها إلى مناطق جرداء من شأنه أن يسهم في تصحُّر قطاع غزَّة، وتقليل كمِّيَّات الأكسجين المنبعثة في وقت تتزايد الأدخنة والغازات السامَّة الناجمة عن القصف الجوِّيّ والمدفعيّ.

كما أبرز أنَّ غياب برامج المكافحة للأوبئة والقوارض أدَّى إلى انتشارها بشكل مكثَّف، بما في ذلك في أماكن النزوح المزدحمة، فيما أنَّ تمركز مئات آلاف النازحين في مناطق جغرافيَّة ضيِّقة مثل رفح ومواصي خانيونس ودير البلح، وبعض أحياء شمال غزَّة، بما في ذلك مراكز الإيواء، أدَّى إلى تراكم أكوام من النفايات وخلق واقع بيئيّ وصحِّيّ أدَّى إلى انتشار الأمراض المعدية التي أصابت مئات الآلاف.

 

نحن اليوم أمام أزمة إنسانيَّة كبرى على كافَّة الأصعدة أنتجها الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزَّة، فلم يكتفِ الاحتلال بقصف الفلسطينيِّين وقتلهم وهدم منازلهم فوق رؤوسهم، وملاحقتهم إلى مراكز الإيواء التي لجأوا إليها هربًا من القذائف والصواريخ والرصاص، فقد هجَّرهم عشرات المرَّات، ولم يكتفِ كذلك في عمليَّات تهجير عكسيَّة، بل يمضي في تجويعهم وفي استهداف صحَّتهم من خلال ضرب المنظومة الصحِّيَّة التي يستندون إليها، ويمنعهم من إدخال الدواء والتطعيمات اللازمة والمعدَّات المطلوبة لحلّ أزمة الصرف الصحِّيّ وغيرها من أزمات عديدة يتحمَّل مسؤوليَّتها الكيان والإدارة الأمريكيَّة وحلفاء الاحتلال من الدول الغربيَّة والأنظمة العربيَّة المتواطئة والمتآمرة على الشعب الفلسطينيّ.

لذلك يتعيَّن على كافَّة الجهات الدوليَّة ووكالات الأمم المتَّحدة والمنظَّمات الدوليَّة ومؤسَّسات حقوق الإنسان ومجلس الأمن، التحرُّك الفوريّ تجاه هذه الكارثة الإنسانيَّة غير المسبوقة التي يستغلُّها الاحتلال لاستهداف حياة أبناء الشعب الفلسطينيّ، ويتعيَّن كذلك الخروج من حالة الضعف والصمت المخزي للعمل الجادّ من أجل الضغط لوقف العدوان وإدخال المساعدات بأشكالها المختلفة لكافَّة مناطق قطاع غزَّة.