غريب في وطني (2)

10 يناير 2021
+ الخط -

الجو حار جداً، نزلت إلى بقالة لأشتري "قنينة" ماء، تركت السيارة شغالة ونزلت، لكني عندما عدت وجدت السيارة قد أقفلت بشكل أتوماتيكي وهي لا تزال شغالة.

شاهدني بائع البقالة أدور حائراً حول السيارة.
 قال لي: ما بك؟
 قلت له: أقفلت السيارة.
قال لي: اتصل بالشرطة.
قلت له: وما علاقة الشرطة بالموضوع.
قال: هذا رقمهم المجاني اتصل بهم وهم سيتولون الأمر.

لم أكن مقتنعاً بأن للشرطة علاقة بهكذا موضوع، لكن تحت إلحاح وإصرار صاحب البقالة، اتصلت بالفعل بالشرطة، وشرحت لهم الوضع الذي حصل معي، قالوا لي حدد لنا مكانك بالضبط، لم تمض عشر دقائق وإذ بدورية الشرطة تأتي مسرعة، فور وصولهم وبلهفة هل يوجد أحد بالسيارة؟ هل يوجد خطورة بالأمر؟.. إذا يوجد أية خطورة فسنستدعي الدفاع المدني فوراً.

التفوا حول السيارة من كل الجهات تفحصوها جيداً، وعندما اطمأنوا إلى الوضع أن لا خطورة فيه.

قالوا لي: بسيطة انتظر هنا سنعود بعد قليل.

ركبوا سيارتهم وذهبوا، لم تمض ربع ساعة إلا وعادوا وكان معهم عامل هندي متخصص بفتح الأبواب، بدأ العامل الهندي  بالعمل وثلاثة من عناصر الشرطة يساعدونه، حاولت أن أشاركهم، فطلب مني أحد العناصر أن أستريح، وقال لي: لا عليك خليك مرتاح هذه مهمتنا.

قلت له :لا  الله.. أنا مسامح المستأجرين من كل قلبي حتى لو أخذوا البيت كاملاً، وحرام علي أن أضع ليرة واحدة بجيب هؤلاء الظلمة المجرمين..

فتح العامل السيارة بعد قليل من الجهد والوقت، وفور انتهائه التفت إليه أحد عناصر الشرطة وقال له: كم تريد؟
قال العامل: مائة درهم.
قال له الشرطي: ولماذا مائة درهم؟ خمسون درهماً كافية كل شغلك ما أخذ خمس دقائق. وبدأ النقاش بين الشرطي والعامل وارتفعت أصواتهم.

قلت للشرطي: يا أخي أعطيه مائة ومائتين لا يوجد مشكلة.
قال الشرطي: يا أخي هذه ليست أول مرة، وخمسون درهما بالأساس كثير، هذا أكثر من حقه.
قلت للشرطي: لو سمحت سأعطيه ثمانين، قال لي براحتك لكن كثير، رضي العامل بثمانين درهما، وانتهى الخلاف بينه وبين الشرطي.
ثم قال لي الشرطي: أريد منك طلبا أن ترجع العامل إلى محله.
قلت له: "على راسي" وشكرتهم.

قالوا لي: هذا واجبنا يا أخي الحمد لله على السلامة، وغادروا.

بعد عشرين يوماً من الحادثة كنت على موعد للذهاب إلى سورية الحبيبة في إجازتي السنوية.

قبل شهرين من موعد سفري كنت قد طلبت من مستأجرين في بيتي إخلاءه، وعندما وصلت إلى سورية تفاجأت بأنهم لم يغادروا البيت حتى ذلك الوقت، فطلبت منهم إخلاءه فوراً. بعد عدة أيام وفي صباح يوم جمعة، اتصل بي أحدهم وقال لي: بيتك يسرق ويخرب من قبل المستأجرين، وطرت على الفور إلى البيت  فوجدت الوضع مأساويا.

ذهبت مباشرة إلى مخفر الشرطة، دخلت إلى رئيس المخفر وأبلغته أن بيتي يسرق الآن.
قال لي: لا أستطيع أن أذهب إلا بإذن من مدير الناحية، وهو سيأتي بعد ربع ساعة.
قلت له: ربما يكونون قد ذهبوا وغادروا.
 قال لي: ليست مشكلتي.

انتظرنا حوالي نصف ساعة حتى جاء مدير الناحية، دخلت معه وقلت له بيتي يسرق أرجوك أن ترسل دورية عاجلة إلى بيتي قبل أن يهربوا..
قال بكل برود: لا أستطيع أن أرسل معك دورية إلا بأمر من القاضي.
قلت له: لكن اليوم جمعة ولا يوجد أي قاض أو محكمة.
 قال لي: ليست مشكلتي.
قلت له: حتى لو كان القاضي موجودا.. فبينما أذهب إلى المحكمة وأشرح للقاضي مشكلتي وأعود إلى هنا يكون النهار قد انتهى.
قال لي: بعصبية "شو بسويلك يعني".
قلت له: لو ذهبت الآن وتشاجرت معهم وصار هناك مشكلة أو جريمة  ألا تتدخل؟
قال لي: "اطلاع من هون أحسن ما أشلفك بالنظارة".

خرجت والقهر يكاد يقتلني، لحق بي أحد الإخوة وكان موجودا ومطلعا على كامل الحديث بيني وبين مدير الناحية.

قال لي: "كأنك عايش بالمريخ! القضية بسيطة وما تحتاج كل هالعصبية، فوت على رئيس المخفر وحط بجيبه ألفين ثلاث آلاف ليرة بتطلع معك خمس دوريات بدل دورية وحدة، وبيظلوا يرفعوهن فلقة بالدولاب للصبح حتى لو ما كانوا حرامية أو مساوين شيء..".

قلت له :لا  الله.. أنا مسامح المستأجرين من كل قلبي حتى لو أخذوا البيت كاملاً، وحرام علي أن أضع ليرة واحدة بجيب هؤلاء الظلمة المجرمين..

ومنذ ذلك الحين قلت أن هذا الوطن لا يسكن ما دامت هذه العصابة المجرمة تحتله..

ED62846A-8705-4394-95B1-4C8646BF5DC1
معاذ عبد الرحمن الدرويش

كاتب ومدون.. أكتب المقال والقصة القصيرة، وأنشر في مواقع عربية عدة.

مدونات أخرى