عودة التعليم تقف على حافة كورونا
توقف التعليم المدرسي جراء جائحة كورونا، وبات يمرُّ بأوضاعٍ متأرجحةٍ بين التطلّع لعودةِ التعلّم كُليًا داخل المدارس، والخوف من احتمالية اندفاع موجة جديدة من الموجات الوبائية. وبعد انتهاء الامتداد الأوّل لفيروس كورونا في صيف عام 2020، صار من المتوقّع عودة التعليم إلى سابق عهده، بالتزامن مع تطبيق الشروط الصحية المرافقة للحماية من انتشار العدوى في البيئة المدرسية، ولكن جاءت الوقائع مخالفة للتوقعات، فبدلًا من إعلان العودة التدريجية وفق مراحل إلى التعليم المدرسي، تحوّل المسار إلى إيقاف التعلّم الوجاهي عن بعض الصفوف، وصولًا إلى تعطّل التعليم داخل المدرسة بشكلٍ كامل، والاستعاضة عنه بالتعليم عن بُعد، وهكذا عاد التعلّم إلى الدائرة الأولى لحظة انتشار كورونا.
بعد انتهاء العام الدراسي المتقلّب 2020/ 2021 باتت تترقبُ الهيئات التعليمية وكثيرٌ من العائلات تسطّح المُنحنى الوبائي لفيروس كورونا خلال شهر أغسطس/ آب 2021، وثباته عند مستويات منخفضة، والذي سيحملُ معهُ تباشير عودة التعليم الوجاهي المدرسي، في مطلع شهر أيلول/ سبتمبر من العام الدراسي 2021/ 2022، فما زال التعليمُ يُشكّلُ هاجسًا مُقلقًا لدى الطلاب وعائلاتهم، منذُ توقفه الإجباري مع انتشار الجائحة عالميًا في آذار/ مارس 2020، وتحوّله؛ ليصبح عن بُعد، والذي أثّر سلبيًا في جميع المراحل الدراسية، وأعاق إمكانية المضي في التعلّم بشكلِهِ المعتاد، ونتجت عنه أضرار لا تُحصى، سواء على الطلاب أو القطاع التعليمي عامةً.
قبل بداية العام الدراسي 2021 /2022، انقسمت الآراء بين مؤيدٍ لعودة التعليم الوجاهي داخل المدارس، وإعادة انتظام دراسة الطلاب، رغمًا عن أنف كورونا، ومعارضٍ لأي عودة للتعلّم ضمن نمطهِ التقليدي؛ بسبب الخوف من ازدياد حالات الإصابة بالفيروس بين الطلاب والمعلمين، وفي خضم ذلك، جاءت الخطوة الأولى في سبيل كبح جماح تقدّم الفيروس؛ من خلال توفير اللقاحات المضادة له، فتعاونت الهيئات المسؤولة عن التعليم في الدول مع القطاعات الطبية؛ من أجل تقديم اللقاح للكادر التعليمي، والعاملين في التعليم بشكلٍ عام؛ بهدف المساهمة في العودة الآمنة إلى التعليم المدرسي، والحيلولة من خطر تفشي الوباء، وتحوّل المدارس إلى بؤر انتشار كورونا.
مهما كان الخيار المطروحُ لعودة التعليم، سواء واجهيًا أو مختلطًا أو عن بُعد، فإنه يحتاجُ إلى وجود خطةٍ ذات معايير وقائية عالية
يحتاجُ أي سيناريو لعودة التعليم قبل تنفيذه إلى تخطيط، وتحليل، ودراسة، وتوافق مع معطيات الوضع الوبائي، ومن هنا أرى أن السيناريوهات المتوفّرة محدودة، وغالبًا قد تتجهُ نحو واحد من اثنين، ويكون السيناريو الأوّل بالعودة إلى التعليم الوجاهي المدرسي، الذي تسعى جميع الدول إلى تطبيقه بصورةٍ آمنة وصحية، وهذا يتطلبُ الالتزام بعدّة إجراءات وقائية تضمن استدامة التعلّم، وتجنّب الوقوع في خطر العودة إلى التعليم عن بُعد مرّة أخرى، فبدلاً من التقدّم خطوةً إلى الأمام، ينتجُ عن ذلك التراجعُ خطوات إلى الوراء، والبدء مرّة أخرى من جديد.
إذا أظهرت نتائج الفحوصات تباينًا ملحوظًا في النسب اليومية المرصودة لعدد الإصابات؛ عندها يجب الاتجاه نحو السيناريو الثّاني؛ وهو العودة المختلطة إلى التعليم، ويقصدُ بها الخلط بين التعليم الوجاهي في المدرسة، والتعليم عن بُعد في المنزل؛ حيث يترتب على إدارات المدارس إعداد جدول دراسي، يُقسّم تعلّم الطلاب، ويوزعهُ على أيام بالتناوب، فتدرسُ مجموعة منهم في أيام معينة في المدرسة، والمجموعة الأخرى تُكمِلُ دراستها في المنزل، وتتناوبُ كلٌ منهما على أيام الدوام خلال الفصل الدراسي، وقد يتوقفُ تطبيقُ هذا السيناريو في حالتين؛ الأولى تحسّن الوضع الوبائي، والانتقال للتعلّم المباشر الوجاهي، أما الثّانية زيادة الإصابات، وارتفاع الخطر الصحي، والتحوّل كليًا للتعليم عن بُعد.
مهما كان الخيار المطروحُ لعودة التعليم، سواء واجهيًا أو مختلطًا أو عن بُعد، فإنه يحتاجُ إلى وجود خطةٍ ذات معايير وقائية عالية، وتحمل في طياتها مجموعة حلول، قابلة للتطبيق ضمن الإمكانات المتاحة، ومن أهمها وضع تصوّرٍ يُعالجُ الهدر التعليمي، الذي يشيرُ إلى وجود موارد بشرية ومادية، وجهد ووقت للتدريس، مع عدم تحقيق الأهداف المخططة للمنهاج الدراسي، كما من الضروري تصميم برنامج تأهيلي وتعويضي يشملُ جميع المراحل الدراسية، ويُعلّم الطلاب المهارات الأساسية لكل مرحلة، بما يضمن تقليص حجم فجوة انقطاع الطلاب عن التعليم قرابة السنة والنصف.
إن عودة التعليم تقفُ على حافة كورونا، وتظلُ محفوفةً بالقلق والترقب، والخوف من انتكاسة صحية، قد تكون المدارس مشاركة فيها بصورةٍ غير مباشرة، عند عدم الالتزام بتطبيق التدابير الوقائية ضمن شروط السلامة العامة؛ لذلك من الضروري جدًا وجود وعي كافٍ من قبل الطلاب وأولياء أمورهم، والمعلمين، والإدارات المدرسية، بجميع المخاطر المترتبة على فيروس كورونا، والتي أجبرت الطلاب على مغادرة مدارسهم، ومن هذا المنطلق يكون التعاون بين جميع المكوّنات البشرية للبيئة التعليمية؛ هو العنصر الفعّال في مواجهة تداعيات الجائحة، وأثرها السلبي الذي أثقل كاهل التعليم.