عن صور المسيّرات وكاميرات الجنود الإسرائيليين
من الأخبار اللافتة القادمة من غزّة في الفترة الماضية هي الصور التي عرضتها قناة الجزيرة، والملتقطة بكاميرات المسيّرات الإسرائيلية وكاميرات الجنود الإسرائيليين، والتي تم الاستحواذ عليها من طرف المقاومة، ومنها صور لغزة تم تصويرها من فوق، وتكشف حجم الدمار الذي حصل في بعض أحيائها، وأخرى لعمليات اغتيال طاولت المدنيين بين طفل ومسن، وأيضاً عمليات اعتقال جماعي مهينة للكثير من الفلسطينيين.
هذه الصور وطريقة الوصول إليها تعبّر عن عدّة معانٍ. فهي من جهة أولى، تفضح ممارسات إسرائيل اللا إنسانية في غزّة، وهي شهادة حيّة من داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية عمّا فعله جيشها، بما يجعلهم عاجزين عن تشويه الحقائق وفبركتها مجدّداً، ومن ثم إقناع من تبقى من المرتابين في حقيقة الممارسات الإسرائيلية، خاصة في المجتمعات التي لا تصل إليها الصور بما يكفي، وذلك بفعل الحصار الإعلامي في تلك الدول. وهي من جهة أخرى، تؤكد مصداقية السردية الفلسطينية حول الحرب، وما يقع فيها من انتهاكات في مواجهة السردية الإسرائيلية التي تسوّق نفسها على أنها حالة دفاع عن النفس.
على المستوى القانوني، هذه الصور تضع إسرائيل في حالة دفاع، بأقل ما يمكن من وسائل الدعم، وهو أمر مهم عند متابعة القضايا المرفوعة ضد إسرائيل، خاصة عندما يتعلّق الأمر بجرائم ضد الإنسانية واستهداف المدنيين دون مبرّر، وهي ورقة أخرى في يد محكمة الجنايات الدولية لتأكيد جريمة حرب الإبادة.
من جانب المقاومة، تمثل هذه الصور إنجازًا مهماً جدّاً، لأنه وقع استخراجها من الطائرات المسيّرة التي وقع الاستحواذ عليها. والأهمية هنا مضاعفة لعدّة اعتبارات:
أولًا، في القدرة على السيطرة على المسيّرات وافتكاكها من السيطرة الإسرائيلية وإنزال بعضها دون أضرار، وهو ليس بالأمر الهيّن.
ثانياً، القدرة على الاستفادة مما تحتويه من خصائص تقنية ومعطيات وصور وغيرها، بما يؤكد امتلاك المقاومة لهذه الخبرات والتميّز بها. وللمقاومة في ذلك سوابق معروفة، تجلّى نجاحها في استثمار مخلّفات الحروب السابقة، سواء بإعادة تشغيلها من جديد أو الاستفادة منها لصناعة أسلحة جديدة مطوّرة، يعاد استخدامها ضد العدو.
ولنا أيضاً مثال يتجلى في بندقية الغول وذخائرها المتنوّعة وسيلةً للقنص، هي التي أثبتت فاعليتها بالنظر إلى العدد الكبير من الجنود الإسرائيليين الذين تمّ قنصهم وقتلهم رغم كلّ أنواع الحماية المستعملة كالخوذ والصدريات الواقية من الرصاص.
هذه النجاحات تبرز استثمار المقاومة في العلم والمعرفة من أجل تجاوز حالة اللا توازن في القوة العسكرية، وتحقيق نوع من الاستقلال الذاتي في التصنيع ضمن سياسة التعويل على الذات لتحقيق الاستقلال، في عالم تخلّى عن الفلسطينيين، ولم ينصفهم منذ قرن تقريبًا.