عن الثيمة البصريّة في أغنية "سهم محنك"

22 سبتمبر 2024
+ الخط -

تُزهر المرأة وتتوهّج عندما تجد الحبّ الحقيقي. 

هذه ثيمة نفسيّة بُنيتْ عليها الكلمات الحواريّة والقِصّة البصريّة في أغنية "سهم محنك"، وهي أغنية كتب كلماتها عبدالله العماني ومريم، وقام بأدائها الفنّانة الكويتية لولوة الملا مع الفنان والملحن الكويتي حمد العماري، وقد أثار إطلاقها جدلاً واسعًا؛ بسبب المزيج اللحني المُميّز على السُّلم الخماسي.

تمّ توظيف ثيمة الإزهار الناتجة عن علاقة حبٍّ سليمةٍ ومتعافيّةٍ ببراعة؛ إذ ليس من السهل تقديم مفهوم نفسي مجرّد كهذا في فيديو قصير لا يتجاوز ثلاث دقائق وست ثوانٍ.

تبدأ القصة البصريّة بظهورِ الفنانة لولوة الملا، وهي تؤدّي مطلع الأغنية مرتديةً ملابس بيضاء، ومِنْ خلفها أشجار كثيفة رمادية اللون. وتتحدّث الكلمات عن فتاةٍ يناديها حبٌّ جديد؛ يخاطب نقاءها (رمزية اللون الأبيض)، ويعاتبها برفق؛ فتسجيبُ له؛ ومع استجابتها يتغيّر لون الأشجار تدريجيًّا من رماديّة إلى خضراء.

هذا الترميز اللوني الذكي يتكرّر في القِصّة البصريّة من مبتدأ الحكاية حتى منتهاها.

صابني سهم محنكْ ... قال لي يا قِل حبكْ!

زاد فيني من حنيني ... لين ما قلت: أنا أحبك

كنت أصد وما بي ثاني... بعد ذاك اللي نساني!

لين جاني في ثواني... خلى قلبي ما يعاني!

في المشهد الثاني يظهر الفنان حمد العماري جالسًا على كرسي؛ مُرتديًا ملابس زرقاء؛ وهو اختيار موفّق؛ لأنّ اللون الأزرق يرمز للوقار والحكمة والاحتفاظ بالقيم، أمّا الخلفيّة فقد جاءت بهيئةِ حديقةٍ شاحبة جفَّفها العطش.

الكلمات قلبت مفهوم السهم في مفتتح الأغنيّة من أداةٍ يمكنها أن تصيب وتدمي إلى مفهوم آخر يتعلّق بالقسمة والنصيب.

وأنا سهمك وانت سهمي ... ونظل الليلة نرمي

وأنا لج قلبي مقيدْ ... يا ذات الخد الموردْ

هاج ايديني واسمحي لي ... أبني لج قصرًا مشيدْ

ذكرتني كلمات هذا المقطع بمقطع من أغنيّةِ "يا نسيم الصبا":

يا نسيم الصبا سلم على باهي الخدْ ... نبههْ من منامهْ

قله: إني على عهده بحبه مقيدْ ... حتى يوم القيامهْ

وهذا يدل على الثقافة الشعرية الرفيعة لدى كاتبَي الأغنيّة. وتستمر الخلفيّة بالتغيّر بشكلٍ تدريجي؛ حيث تبدأ الأزهار بالتلوّن تزامنًا مع كلماتِ الأغنيّة ومدلولاتها.

ذروة القصة البصريّة في الأغنية، تأتي في المشهد الخامس، عندما تظهر المحبوبة، وقد حوّلتها عصا الحبّ السحريّة إلى زهرةٍ حقيقيّة تصدح بالعبير والموسيقى

في المشهد الثالث تستعيد الأشجار كمالها وعافيتها، وتزهو بلونها الأخضر الجميل وفقًا للكلمات الجميلة والمعبّرة.

صيادْ ويعرف يصوِّبْ ... حتى منطوقهْ مُهذَّبْ

كلمهْ كلمهْ وأنا عيني ... ما تفارق وجهه المحببْ

قليلة هي الأغاني المعاصرة التي تهتم بالتهذيب كسمةٍ من سمات الحبِّ الناضج؛ فما نسمعه من صفاتٍ للمحبّين في بعض الأغاني لا يخلو من ابتذالٍ أو عنف؛ فتارة يتم وصف الحبّ بـ"السفاح!!"، والمحبوب "مجرم وماسك سلاح"، وتارة أخرى بوصفه "بطيخًا أقرع"، كما  في إحدى أغاني نانسي عجرم وأكرم حسني.

ذروة القصة البصريّة تأتي في المشهد الخامس، عندما تظهر المحبوبة، وقد حوّلتها عصا الحبّ السحريّة إلى زهرةٍ حقيقيّة تصدح بالعبير والموسيقى؛ فتتغيّر ملابسها من الأبيض إلى الوردي والبنفسجي، وتنتقل من مربّعها الخاص إلى مربّع المحبوب؛ فيغنيّان معًا؛ لتضجّ الحديقة بالحياة والألوان الزاهيّة والأنغام الشجيّة بعد أن كانت شاحبة وعطشى.

لابني لج دنيا كلها ألحانْ

لارسم لك دنيا كلها ألوانْ

ويلي! أسرني وفيني تفننْ

نرى في المشهد السادس المُحبّ، وقد أصبح في مربّع محبوبته مرتديًا اللون الأبيض مثلها؛ فيما تظهر وهي تتمايل طربًا وفرحًا. هذا المشهد البصري يتناغم بشكلٍ مدهشٍ مع عهود الحبِّ التي يقدّمها المحبّون لبعضهم..

وابتدى صوتي يلينْ ... واتخطرفْ بهَدا

يا حشا اليوم الدفينْ ... أنا عمري لك فِدا

عمري بوجودك يزين ... يا حبيبي أنا!

ومن غيرك حالي حالْ

فالي قلبكْ وانا لك فالْ

في المشهد السابع يأتي الاعتراف الجميل من المحبّ؛ وهو اعتراف يعزّز ثقة فتاته بذاتها، ويطمئنها بأبديّة العهد؛ وهو ما تحلم به النساء عند دخولهن عتبة الحب.

لم يكن سهمي مسددْ ... بل هو سحرجْ مؤكدْ

يسري فيني اسأليني ... فأنا عهدي مؤبدْ

فتردّ عليه الحبيبة في المشهد الثامن بتقديم نذورها وعهودها؛ فقد وثقت واطمأنت:

وعد مني دام احبكْ ... واحتري صوتكْ وقربكْ

لك حياتي لا تحاتي ... خافقي يقسمْ بحبكْ

ويختتم "الكليب" بصورة توضّح انغماس الحبيبين الكامل في عالم الحبّ السحري، ويبقى التساؤل عن ماهيّة الحبِّ الحقيقي؟ وماهي سماته؟ وصفاته؟

كثير من الكتّاب والشعراء والروائيين حاولوا تعريفه كلّ من وجهةِ نظره، وقد اخترت لكم في الختام بعض المفاهيم التي وجدتها أكثر قربًا إلى نفسي، حيث يقول جبران خليل جبران: "الحب لا يعطي إلّا ذاته، ولا يأخذ إلّا من ذاته، وهو يملِك ولا يُملك؛ فحسبه أنه الحب".

فيما يقدّم الروائي، ألكس ميكايليديس في روايته "المريضة الصامتة"، رؤيّةً معاصرة للحبِّ بقوله: "نخطئ في كثير من الأحيان باعتبارنا الحب ألعابًا نارية؛ لأنّ الحب الحقيقي هادئ جدًا؛ ساكن جدًا؛ إنّه أمر ممل إذا نظرنا إليه من منظور الإثارة العالية. الحب عميق. هادئ وثابت".

دلالات
كاتبة قصص يمنية ومهتمة بأدب الطفل.
مها صلاح
كاتبة قصص يمنية ومهتمة بأدب الطفل.