عندما يتفوّق الفرد على جيوشٍ بأكملها

11 سبتمبر 2024
+ الخط -

في الثامن من سبتمبر/ أيلول 2024، عند معبر الكرامة الذي يربط بين الأردن وفلسطين، دوّى صوتُ ثلاث رصاصاتٍ أعادت إلى الأذهان تاريخًا طويلًا من النضال. ماهر ذياب حسين الجازي، سائق شاحنة أردني من قرية أذرح بمحافظة معان، لم يكن جنديًا مُحترفًا، لكنّه حمل إرادةً تفوق جيوشًا، وذلك بثلاث رصاصاتٍ أطلقها على ثلاثةِ جنودٍ إسرائيليين، أسقطهم قتلى، قبل أن يسقط هو شهيدًا. في لحظاتٍ قليلة، تحوّلت هذه العمليّة الفرديّة إلى حدثٍ ألهب مشاعر الأردنيين والفلسطينيين وكلّ من يؤمن بأنّ القضيّة الفلسطينية ما زالت حيّة.

ماهر الجازي، ابن قبيلة الحويطات الشهيرة، لم يكن أوّل من ينفّذ عمليّةً مقاومةً منفردة، لكنه كان جزءًا من سلسلةٍ من العمليّات البطوليّة التي شهدتها المنطقة في الآونةِ الأخيرة. فقبل أيام، في بداية سبتمبر/ أيلول 2024، نفّذ الشهيد الفلسطيني مهند العسود عمليّةً بطوليّةً في الخليل، تمكّن خلالها من قتل ثلاثة جنود إسرائيليين، ليعيدَ التأكيد أنّ المقاومة الفرديّة لا تزال تشكّل خطرًا حقيقيًا على الاحتلال. وتعودُ بنا الذاكرة أيضًا إلى الجندي المصري محمد صلاح الذي نفّذ هجومًا على الحدود المصريّة في يونيو/ حزيران 2023 وأسقط ثلاثة جنود إسرائيليين.

رغم أنّ هذه العمليات لم تحدثْ في نفس الوقت، إلّا أنّها توضّح كيف أنّ المقاومة لم تعدْ تقتصر على الجيوش النظاميّة، بل أصبحت تعتمد على الأفراد الذين يحملون لواء الكرامة بأنفسهم. هؤلاء الأبطال من فلسطين، ومصر، والأردن، أخذوا على عاتقهم مهمّة الدفاع عن الأرض والعرض بدمائهم، مؤكّدين أنّ النضال ضدّ الاحتلال لا يزال مستمرًا.

في شوارع عمّان، خرج الأردنيون يحتفلون بإنجازِ الشهيد ماهر الجازي. وزّعوا الحلويات وغنّوا فرحًا بهذه العمليّة البطوليّة. لقد رأى الناس في ماهر رمزًا للكرامة الوطنيّة، وتأكيدًا أنّ روح المقاومة لا تزال حيّة، رغم كلّ محاولات فرض التطبيع وتطويع الشعوب. إنّ هذه الاحتفالات العفويّة كانت ردّ فعلٍ طبيعيًّا على ما قام به الشهيد، وكأنّها تقول بصوتٍ عالٍ: "نحن هنا ولن ننسى".

 لم تعد المقاومة تقتصر على الجيوش النظامية، بل أصبحت تعتمد على الأفراد الذين يحملون لواء الكرامة بأنفسهم

ماهر الجازي، مهند العسود، ومحمد صلاح لم يكونوا مجرّد أفراد عاديين، بل حملوا قضيّة أمّة بأكملها على أكتافهم، وأثبتوا أنّ المقاومة ليست حكرًا على الجيوش، بل هي إرادة فرديّة قادرة على إحداث الزلازل في صفوف العدو. هؤلاء الأبطال أعادوا للأمّة الأمل بأنّ هناك دائمًا من سيقف في وجه الظلم، مهما كانت الظروف قاسية. بعمليّاتهم الفردية، أقاموا الحجّة على كلِّ من يدّعي العجز، وأثبتوا أنّ من أرادَ الدفاع عن فلسطين لن يعدم الوسيلة.

رغم المحاولات المستمرة لإخمادِ صوت المقاومة، سواء عبر اتفاقياتِ التطبيع أو حملاتِ القمع، تظلّ هذه العمليات الفرديّة مصدر قلق دائم للاحتلال الإسرائيلي. فهي غير متوقّعة، ولا يمكن كبحها بسهولةٍ، ممّا يجعلها أكثر تهديدًا من التحرّكات العسكريّة التقليدية. إنّ رؤية شاب مثل ماهر الجازي، يتحرّك دون تنظيمات أو جيوش خلفه، قادرة على إحداث تأثير كبير، هو ما يخشاه العدو.

ما قام به الشهيد ماهر الجازي في معبرِ الكرامة ليس مجرّد عملية مقاومة، بل هو تذكير للأمة بأكملها بأنّ العدو واضح، وأنّ الثأر لا يزال حيًا. بدمائه ودماء أمثاله، يبقى الحقّ الفلسطيني حاضرًا، مهما طال الزمن.