صوت شيرين الذي أسمع من به صمم

09 يونيو 2022
+ الخط -

شيرين أبو عاقلة.. الجزيرة، مخيم جنين.

لم تختتم الراحلة شيرين أبو عاقلة هذه الجملة التي كنا معتادين عليها منذ الصغر، واستبدلتها بدمها لتنهي تقريرها التلفزيوني وفاء وتضحية لقضيتها فلسطين. شيرين تغلغلت في جذور الأرض وتحت ظلال شجرة خضراء وبجانب سور أبيض فوقه مجموعة من السنونو تتغنى بهذه الروح الوفية والمخلصة لقضيتها..

أنهت أبو عاقلة دراسة الصحافة في جامعة اليرموك، واتخذت هذه المهنة صنعة لها لتكون قريبة من الناس، فدخلت قلوب الحجارة وقلب فلسطين والناس كافة. كان يوم أربعاء أسود وكان استيقاظا تمنيناه لو كان كابوساً عابرا، ولكنه كان كابوسا واقعيا عابراً للقارات والمجرات والمجموعات الشمسية؛ الرصاصة المتفجرة أصابت القلوب وهرستها ومزقتها ووضعتها في ثنايا البعد عن صوت شيرين الدافئ، صوت فلسطين الشهير الذي كان يصدح دوما بالحقائق وفضائح الصهاينة..

لا نستطيع ولو لدقيقة واحدة أن نتخيل الجزيرة دون الموجات الدافئة لصوت شيرين، فمن غير الطبيعي أن يكبر الطفل دون سماع التقارير الفلسطينية لشيرين، ومن غير المعقول أيضا نحن الكبار أن نستوعب اغتيال وكتمان موجات سماعية كانت رنانة بالحقائق اعتدنا عليها في السابق.

أقدم الكيان الصهيوني، صبيحة الأربعاء 11 مايو/أيار، على اقتحام مخيم جنين وأطلق الرصاص المتفجر على شيرين، كانت مغطاة بحروف "Press" إلا أنه تعمد استهداف الحقيقة واستهداف قناة الجزيرة، إلى يومنا هذا ما زالت الخلافات والروايات الكاذبة التي يدعيها الكيان الصهوني تنهمر على المنظمات والمؤسسات العالمية ويفشل، شن الأكاذيب الملفقة والادعاءات المقيتة هي من البصمات المعروفة للكيان المكذوب..

لا نستطيع أن نقول عن فارسة المهنة إعلامية فقط، بل جعلت من نفسها أيقونة فلسطينية وقامة سياسية ووطنية بامتياز

ولا ننسى الاغتيال المتعمد لريشة الفنان ناجي العلي، وتفجير روايات غسان كنفاني في سيارته وأحمد ياسين على مقعده وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري وغيرهم الكثير..

كان آخر ادعاء كاذب، بحسب صحيفة هآرتس، أن الجندي المتهم باغتيال شيرين قال في استجوابه إنه لم يرها، ولا يعرف أنه أطلق النار عليها، مشيرة إلى أن الجندي كان يجلس في سيارة جيب، متسلحا ببندقية مزودة بعدسة تلسكوبية..

لا شيء غريب ولا جديد على تزوير الصهاينة، منذ أربعة وسبعين عاما وهم يحاولون تزوير الأرض، تزوير المقدسات والتاريخ، تزوير المأكولات الشعبية، تزوير التراث والثوب، فلا جديد على تزوير رصاصة متفجرة أطلقت من بندقية صهونية، ومما لا شك فيه أنهم سيخرجون من القضية وكأن شيئا لم يكن، كدأب القضايا السابقة الأكثر تعقيدا. وحسب الإحصائيات لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، فمنذ عام 2000، استشهد 55 صحافيا فلسطينيا بنيران قوات الاحتلال..

من أنا. وكيف يكون الوفاء والنضال لفلسطين. كيف تكون التضحية والإيمان وحب الوطن. ماذا قدمت لقضيتي؟ كيف أكون من الثلة النضالية في عالم التاريخ الحديث؟ هذه أسئلة أجابت عنها شيرين منذ أن سالت دماؤها على الأرض.. لعل هذه الدماء الزكية قد أيقظت المطبعين العرب الذين يتحالفون ويلهثون ويعبدون المنظمومة الصهيونية..

من تحالف أو سيحالف الكيان فهو لا شك شريك ومساهم في الضغط على الزناد وقام باغتيال شيرين، من تحالف أو سيحالف. التاريخ سيلعنه بلا أدنى شك كدأب البلاد السابقة، من تحالف أو سيحالف.. السقوط المُدوي هو حتما مصيره، والوقت كفيل في الإثبات، سيثبت كل من خولت له نفسه التقارب والتهافت إلى حضن الكيان الغاصب..

هؤلاء اللاهثون العابدون يحتاجون إلى مدرسة شيرين النضالية أو النموذجية حتى يتعلموا فنون التضحيات والبسالة والوفاء لقضيتهم المركزية، ولكنهم صم بكم عمي فهم لا يفقهون.

التقرير لم ينتهِ بعد، واستكمله العالم بأسره بالتغني بنضال شيرين والوهج اللامتناهي لها، اليوم لا نستطيع أن نقول عن فارسة المهنة إعلامية فقط، بل جعلت من نفسها أيقونة فلسطينية وقامة سياسية ووطنية بامتياز، بالإضافة إلى إمبراطوريتها الصحافية..

هي لا تقل أهمية عن محمود درويش أو غسان كنفاني أو مفتاح العودة أو قداسة القضية، اسم شيرين، ومعناه الفتاة الجميلة، محال أن يسقط من وجداننا وتفكيرنا وذاكرتنا، كالشمس محال أن تسقط على الأرض أو تتلاشى في الحياة..

يا أهلاً بك شيرين في قلبي وقلب الجميع زيارة مشرفة إلى الأبد، دعونا نتفق أو نجزم بالقول: "بقيت شيرين والاحتلال إلى زوال قريب"؛ فالاحتلال في هذه اللحظات يقرع ويدق أبوابَ وجدران زواله.