شهر على سقوط الطاغية: انتهاء "فوبيا الأسد"
هلا نهاد نصرالدين
مرّ شهر على سقوط الطاغية بشار الأسد، الحدث الذي اعتبره كثيرون في سورية والمنطقة لحظة تاريخية طال انتظارها. الأسد، الذي مثّل بالنسبة لي، وللكثيرين، "الشر المطلق"، كان رمزًا للقمع والاستبداد، حيث ترك نظامه بصمةً عميقة من الألم والمعاناة ستدوم لأجيال. لطالما كان وجهه يتبادر إلى ذهني عند الحديث عن مفهوم الشر.
ما أسرع مرور هذا الشهر بعد انتظار دام 14 عامًا. خلال هذه السنوات الطويلة، لم يسلم أحد من أثر "تروما" نظام الأسد، الذي ترك جراحًا نفسيّة عميقة لدى الجميع. لم يكن هناك حديث مع زميل أو صديق سوري إلا ورافقه ذكر توقيف أو اعتقال طاولهم أو أحد أفراد عائلاتهم.
أصبح يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول رمزًا ليوم استقلال جديد، يوم تحرّر فيه السوريون وغيرهم من نظام خنق أنفاس الجميع لعقود.
لم أجرؤ يومًا على زيارة سورية رغم قربها الجغرافي وسفري المتكرّر في المنطقة العربية. ربّما كان قرب الأصدقاء والأقارب السوريين في حياتي هو السبب؛ فقد كان الرعب الذي زرعه النظام في نفوسهم كافيًا لينعكس حتى على من هم خارج الحدود.
أصبح يوم 8 ديسمبر/ كانون الأول رمزًا ليوم استقلال جديد، يوم تحرّر فيه السوريون وغيرهم من نظام خنق أنفاس الجميع لعقود
فكرة وجود الأسد في البلد المجاور، والشهادات التي كنا نسمعها ونقرأها، كانت كافية لتطاردنا في كوابيسنا. حتى أصبحتُ أعاني ما يشبه "فوبيا الأسد". الطفل حمزة الخطيب وأطفال درعا لم يغادروا ذاكرتي وذاكرة كلّ من تابع آلة القتل التي استخدمها النظام السابق بلا رحمة.
بعد سقوط الأسد، حظيت بفرصة زيارة الشام أخيرًا. هناك، رأيت صورتين متناقضتين: الأولى تجسّد جمال الشوارع القديمة وطيبة الناس، والثانية تذكّرنا بفظائع التعذيب والقتل التي عايشها السوريون. الشام، رغم جمالها، تحمل جراحًا عميقة لا يمكن نسيانها بسهولة.
انعكاسات إقليمية: لبنان نموذجًا
سقوط الأسد لم يكن حدثًا سوريًا فقط، بل هو حدث إقليمي سيؤثّر بشكلٍ كبير على المنطقة بأكملها. في لبنان، كان لهذا السقوط وقع خاص، حيث احتفل الكثير من اللبنانيين به باعتباره خطوة نحو إنهاء النفوذ السوري والإيراني في البلاد. رغم أنّ عددًا من رجال النظام هربوا إلى لبنان، تغيّرت المعطيات الداخلية بشكل كبير بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان وهروب الأسد.
الشام، رغم جمالها، تحمل جراحًا عميقة لا يمكن نسيانها بسهولة
عودة السوريين: بداية أمل جديد
مع سقوط النظام، بدأت موجة عودة السوريين إلى وطنهم، وإن كانت محدودة مقارنة بإجمالي عدد اللاجئين. وفقًا لمفوضية اللاجئين التابعة لمنظّمة الأمم المتحدة، عاد نحو 51 ألف سوري من الدول المجاورة عبر المعابر الرسمية منذ سقوط النظام، بينهم نحو 25 ألف شخص من تركيا.
رغم الاحتفالات بسقوط النظام، تحوّلت الأنظار سريعًا نحو التحديات الكبرى لإعادة بناء الدولة. دخلت سورية والمنطقة مرحلة سياسية جديدة وحساسة، حيث يترقب الجميع ما ستحمله الأيام المقبلة لسورية وللمنطقة ككل، بما في ذلك لبنان.
اليوم، وبعد مرور شهر على هذا الحدث التاريخي، تبدو المنطقة أمام مفترق طرق. يحمل سقوط النظام آمالًا كبيرة لسورية والمنطقة بأسرها، لكنه يطرح أيضًا تساؤلات حول كيفية إدارة المرحلة الانتقالية ووضع آليات قانونية تضمن المحاسبة وتؤسّس لدولة عادلة ومستقرة.