شعبا سورية ولبنان.. أي مستقبل؟
بين إصرار شريحة لبنانية على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ورفض شريحة أخرى أيّ عودة غير طوعية للسوريين، يتصاعد السجال ويحتدم الموقف في لبنان. ففي الوقت الذي يصرّ مسؤولون وأحزاب وقوى لبنانية على إعادتهم بحجة الأزمات الاقتصادية في لبنان، تحذّر المنظمات المحلية والدولية من هذه العودة، التي قد تودي بحياة الكثيرين منهم.
لطالما ارتبطت العلاقات بين المجتمعين السوري واللبناني بعوامل اقتصادية وسياسية بحتة، أثّرت بشكل مباشر على التقارب المجتمعي بينهما، وذلك بعد أن كانت الدولتان تتبعان لنفس الحيّز الجغرافي المعروف باسم سورية خلال الحكم العثماني.
وبعد الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي، ومنذ عام 1950، بدأت الفوارق بالاتساع تزامناً مع الأحداث السياسية. فمع انفصال الغرفة الجمركية الاقتصادية المشتركة بين البلدين، وطبيعة دورها في ذلك الوقت، وقدرة تأثيرها على سير وتطوّر العلاقة بين الشعبين، وصولاً إلى أزمة لبنان في الحرب الأهلية عام 1975.. كانت هناك مؤشرات حقيقية لا تبشّر بمستقبل علاقة إيجابية على الصعيد الاجتماعي بين شعبي البلدين، على الرغم من كلّ روابط القرابة والمصاهرة والصداقة التي كانت تجمعهما.
ممارسات الجيش السوري في لبنان، كانت العامل الأساسي في تدهور العلاقات الاجتماعية بين الشعبين
كما جاءت أفعال الجيش السوري في لبنان لتزيد الطين بلة، بل كانت هي العامل الأساسي في تدهور العلاقات الاجتماعية بين الشعبين، إذ شكّلت وجوه النظام السوري في لبنان، متمثلة في كلّ من غازي كنعان ورستم غزالة ومن معهما من مليشيات نظام الأسد الأب والابن، كابوساً حقيقياً للكثير من اللبنانيين. كما مارس النظام السوري على مرّ السنين ضغطاً هائلاً في لبنان، ولعب في معادلات توازن القوى السياسية اللبنانية، ما أثّر بعمق في ضمير الشعب أيضاً، وما زال يؤثر بطريقة ما على سلوك اللبنانيين تجاه السوريين حتى لدى المعارضين منهم لنظام الأسد.
لقد مارس الجيش السوري في لبنان على مدى ثلاث عقود الكثير من الانتهاكات بحق الشعب اللبناني بمختلف أطيافه، ما أدى، في وقت لاحق، لأن يدفع السوريون العزّل ثمن أفعال جيش النظام السوري، حيث تجرى قتل الكثير من السوريين على يد مليشيات تحمل أفكاراً وأيديولوجيات مختلفة، ولها دورها في المشهد اللبناني. هذه الأسباب، بشكل أو بآخر، كانت كفيلة بأن تطيح العلاقات الاجتماعية بين البلدين وتبثّ مشاعر الحقد والكراهية في قلوب البعض من أبناء الشعبين على حساب التسويات السياسية.
ومع تطوّر الوضع في سورية بعد قيام ثورة مارس/آذار 2011، ونزوح الكثير من السوريين نحو الأراضي اللبنانية، فرّغ بعض اللبنانيين مواقفهم التي حملوها تجاه النظام السوري، إبان فترة الحرب الأهلية اللبنانية وأُثناء وجود الجيش السوري في لبنان، ضد السوريين كصورة انتقامية من ممارسات النظام السابقة ضدهم، وكان ذلك على حساب السوريين العزّل والأبرياء الذين فرّوا من بطش نظام الأسد.
وجود النعرات الانتقامية والطائفية في لبنان تجاه السوريين، لا ينفي وجود فئات لبنانية مدّت يد العون والمساعدة لهم
وكتتمة لسلسلة الأحداث السياسية المؤثرة، كان دخول مليشيا "حزب الله"، المدعوم من إيران، إلى سورية وارتكابه مجازر عديدة بحقّ السوريين في مناطق مثل حمص وحلب ودمشق وإدلب مع مساندة سياسية لبنانية.. كانت لهذا دوافع كفيلة بتأجيج الطائفية والنزاع في قلوب السوريين أيضاً تجاه بعض المكوّنات والطوائف والتيارات السياسية في لبنان، حيث لا يخفى على أحد الانقسام الطائفي السياسي في لبنان، وهو ما يوّجه المواقف ويحدّدها إلى حدّ ما تجاه الثورة السورية. وهذا الأمر بحدّ ذاته يشكل ضغطاً كبيراً على السوريين في لبنان، ويدفعهم لتغيير مناطق سكنهم وعيشهم، ما دفع الكثير من السوريين، في نهاية المطاف، للتجمّع والوجود في مناطق معينة من الوسط والشمال اللبناني.
لكن بالمقابل، إنّ إثبات وجود النعرات الانتقامية والطائفية في لبنان تجاه السوريين لا ينفي وجود فئات لبنانية مدّت يد العون والمساعدة لهم وكانت تدافع عنهم، تارة بحجة العقيدة ووحدة الهدف، وتارة أخرى بحجة الموقف السياسي من نظام بشار الأسد، كما قامت هذه الفئات بحمايتهم من مكوّنات طائفية مدعومة من نظام بشار الأسد بغية قتلهم وتهجيرهم مرّة أخرى.
ما يدعو إلى التفاؤل في إصلاح العلاقة مستقبلاً هو وجود بعض النماذج الإيجابية من اللبنانيين الذين قدّموا المساعدة والعون للسوريين بدافع الإنسانية ووحدة العرق، أو حتى كوفاء لدين الشعب السوري في احتضانه الشعب اللبناني في أزمات كثيرة، وهؤلاء يدعمون بقاء السوريين في لبنان إلى أن تضمن لهم الأمم المتحدة عودة آمنة، ويكون ذلك برحيل نظام الأسد الديكتاتوري الطائفي، الذي يقتل السوريين في سورية، كما تسبّب سابقاً في قتل وتهجير مئات الآلاف من كلّ مكونات المجتمع اللبناني.