سهام بنت سنية وحق الأم بأن نُنسب إليها
(نزول، نزول، نزول، ألا توجد نهاية لهذا السقوط؟ ثم قالت آليس بصوت عال: "كم ميل قطعت في سقوطي حتى الآن؟". من كتاب "آليس في بلاد العجائب"، لويس كارول، ترجمة، سهام بنت سنية وعبد السلام).
رحلت، أو سقطت، عن عالمنا، يوم الثلاثاء 17 أكتوبر/ تشرين الأول، سهام بنت سنية وعبد السلام، وهي التي ولدت عام النكبة 1948، وتخرجت في كلية الطب والجراحة، من جامعة عين شمس 1972، وحازت درجة الماجستير في الأنثروبولوجيا من الجامعة الأميركية، وعملت ممثلة وحكواتية ومترجمة وناقدة فنية، ومن أشهر ترجمات سهام بنت سنية وعبد السلام، "آليس في بلاد العجائب" و"آليس في المرآة".
سهام بنت سنية وعبد السلام، كانت أوّل امرأة أعرفها تسمّي نفسها باسم الأم، وكان الأمر لافت للنظر، فرغم أنّ ثقافتنا الشعبية، يوجد بها هذا النمط من التسمية، فحتى وقت قريب، كنّا نُعرف في القرى باسم أمهاتنا، هذا ابن عفاف، وهذا ابن فتحية، وتلك ابنة نادية، إلا أنّنا بعد دخولنا المدرسة أو ذهابنا إلى العمل، يتوّقف هذا النداء، ويصبح الاسم الأبوي هو التعريف الرسمي وما يتوافق مع أوراق السجلات الرسمية، وتنزوي الأم بعيدا. سهام بنت سنية، أرادت أن تعود من جديد إلى خط الأم، إلى النسب الأمومي، هكذا كما جاء عند المؤرخ يوهان باخوفن (يوهان ياكوب باخوفن، مؤرخ للقانون والدين، سويسري 1815- 1887) في كتابه "حق الأم 1861"، وهو أول من قال بأسبقية النظام الأمومي، في النسب، والميراث، والسلطة، على النظام الأبوي، واستند إلى كتاباته، الفيلسوف، فريدريك إنجلز، عندما قام بوضع مؤلفه الرئيس "أصل العائلة والمليكة الخاصة والدولة 1884"، وها نحن مع سهام بنت سنية نعود إلى الأمهات منذ البداية.
الأمهات هنّ اللواتي يؤسّسن خطّ الدم، خطّ النسب، خطّ القرابة. من جديد، وبنقرة واحدة، استطاعت سهام أن تفكرنا بماضينا البعيد وتدفعه أمامنا لكي ننظر إلى وجوه أمهاتنا وصورهن المعلّقة على الحوائط. عرفت بعد سهام، صديقات، كتبن أسماءهن من جديد، منهن، المترجمة السورية المقيمة في هولندا، رحاب منى شاكر، والباحثة في شؤون الاقتصاد الدولي، شيرين سهير طلعت، وكأنّهن أردن أن يستعدن الخطّ الأمومي وينقذن الماضي من هيمنة الذكوري والأبوي. نحن في حاجة إلى مراجعة تاريخنا وأرشيفنا ومناقشة ماذا نعني الآن "بالأمومية"، ربط ما هو أمومي بما هو سياسي، وما هو ثقافي، فلا يمكن فهم اضطهاد النساء دون النظر إلى الانقلاب الذكوري وظهور الخط الأبوي والسلطة الأبوية، فهناك تاريخ طويل، كانت فيه النساء هنّ اللواتي يصنعن الثقافة، ويصنعن الحياة، وبأيديهن السلطة والثروة. ولم تكن وقتئذ السلطة من أجل جنس بعينه، ولكن كانت السلطة شأن إداري وتنظيمي لا شأن استحواذي وتراكمي. كانت السلطة لصالح إدارة شؤون المجتمع ككل، وليست لمنفعة طبقة محدّدة أو جنس بعينه.
الأمهات هنّ اللواتي يؤسّسن خطّ الدم، خطّ النسب، خطّ القرابة
كتب فريدريك إنجلز: "وفقاً للمفهوم المادي، فإنّ العامل المحدّد في التاريخ هو، في التحليل الأخير، إنتاج وإعادة إنتاج الحياة المباشرة. لكن هذا في حدّ ذاته ذو طابع مزدوج. من ناحية أخرى، فإنّه إنتاج وسائل العيش والمأكل والملبس والمأوى والأدوات اللازمة لذلك، ومن ناحية أخرى، إنتاج البشر أنفسهم، تكاثر الأنواع. إنّ المؤسسات الاجتماعية التي يعيش في ظلّها بشر حقبة تاريخية محدّدة، وبلد محدّد مشروطة بكلا النوعين من الإنتاج: بمرحلة تطوّر العمل من ناحية، والعائلة من ناحية أخرى". بعبارة أخرى، تتحدّد طريقة عيش الناس بمرحلة تطوّر القوى المنتجة من ناحية وتنظيم العائلة من ناحية أخرى.
علينا أن نوّدع سهام بنت سنية، فنعود من جديد إلى "آليس في المرآة". قالت آليس وهي ناظرة إلى البيت: "لا جدوى من الكلام عنه. لن أدخل إلى المنزل مرّة أخرى، فعندئذ سأضطر إلى العبور من خلال المرآة، كي أعود إلى الغرف القديمة، وستكون هذه نهاية مغامراتي".