"سنقاتل وحدنا اذا لزم الامر".. آخر نكتة إسرائيلية
"سنقاتل وحدنا إذا لزم الأمر"، هكذا رد نتنياهو على الرئيس الأميركي بايدن في "تهديده" الناعم بمنع بعض الأسلحة عن إسرائيل إذا واصل اجتياح مدينة رفح في سياق حربها على الشعب الفلسطيني في غزة. لا أعرف إلى أي حد كان نتنياهو جاداً وواثقاً في داخله وهو يقول هذا الكلام؟
إذا كان كذلك فلا أعتقد أنه كان في وعيه الطبيعي الذي من المفروض أن يكون مستحضراً لتاريخ الدولة الصهيونية وحاضرها منذ تأسيسها إلى اليوم، وملماً بتفاصيل العلاقة بداعميه من القوى الكبرى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية ودرجة حضور هذه القوى في كل حركة قامت بها هذه الدولة المزروعة زرعاً في تربة لن تحتملها، ولن تنفع معها مختلف أشكال الري القديمة والحديثة.
قد يكون مفهوماً نسيان التاريخ الطافح بكل أشكال الدعم والحماية، السياسية والإعلامية والعسكرية، والتي تمتعت بها إسرائيل أقلها في بعض المحطات الكبرى المعلومة من الجميع، بداية من التأسيس سنة 1948، وما ورثته الدولة الجديدة من ترسانة أسلحة ومنشآت وإدارة من الاحتلال البريطاني، وهو ما استُعمل لاحقاً في مزيد السيطرة على فلسطين وتهجير السكان وارتكاب المجازر.
المحطة الثانية هي حرب 1956 ضد مصر والمعروفة بالعدوان الثلاثي، إذ لم تقاتل إسرائيل وحدها في هذا الهجوم، بل كان بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا. وحتى في بعض المعارك التي خاضتها إسرائيل وحدها كحرب 1967 وحرب 1973، كان ذلك بأدوات دول أخرى خاصة أميركا، حيث إنه وفقاً للمؤشرات الرسمية الأميركية تعدّ إسرائيل أكبر متلقّ للمساعدات الخارجية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، إذ بلغت المساعدات الإجمالية المقدمة من الولايات المتحدة لإسرائيل فيما بين عامي 1946 و2023 نحو 158.6 مليار دولار والجزء الأكبر منها دعم عسكري، لولاه لما أمكن لها تحقيق أي نصر.
كيف ننسى تحرك حاملات الطائرات الأميركية في المتوسط وغيرها من البحور والمحيطات لتقديم الدعم لإسرائيل والقول إننا معكم
إذا غابت هذه المعطيات التاريخية عن نتنياهو فإن معطيات الحاضر لا يمكن أن تغيب، في حرب ما زالت متواصلة منذ 7 أكتوبر. كيف ننسى تحرك حاملات الطائرات الأميركية في المتوسط وغيرها من البحور والمحيطات لتقديم الدعم لإسرائيل والقول إننا معكم. كيف ننسى شحنات الأسلحة والقنابل الذكية والغبية الأميركية وغيرها التي لم تنقطع بعد عن إسرائيل. كيف ننسى الزيارات المتكررة لمسؤولين أميركيين وغربيين لتقديم الدعم السياسي لإسرائيل. كيف ننسى التدخل الغربي لإيقاف مسيّرات الهجوم الإيراني وصواريخه، إذ تشير بعض التقارير أنّ 90 في المائة من الاعتراضات قامت بها الدول الداعمة وليس إسرائيل.
فالقول اليوم إن "إسرائيل ستقاتل وحدها إن لزم الأمر" يرتقي إلى مرتبة النكتة المضحكة، لأنه يتنكر لحقائق التاريخ والواقع، وكل ما تعتبره إسرائيل في تاريخها انتصاراتها الخاصة على العرب، ليس إلا من باب افتخار "النعجة بألية الكبش" كما يقال. وقد جاء طوفان الأقصى ليؤكد أن إسرائيل عاجزة عن إحراز نجاحات استراتيجية حتى بدعم الآخرين، وكل انتصاراتها السابقة مرتبطة بضعف الطرف المقابل وليس بسبب قوتها.
لقد كشف هجوم السابع من أكتوبر أننا إزاء كائن كرتوني غير قابل للصمود إزاء الحق والأخلاق الإنسانية، وليس له من فعل إلا قتل المدنيين الذين لا حول لهم ولا قوة لمواجهة القنابل والصواريخ، وهو ما علق عليه الصحافي في جريدة "هآرتز"، جدعون ليفي، منتقداً قصف غزة ومتحدثاً عن "غياب أي معنى عسكري مهني أو بطولي في إرسال الطيارين الإسرائيليين لقصف مواقع على الأرض تفتقر إلى القدرة على القيام بأي رد عسكري مضاد" (عن كتاب سرديات الطوفان لصبحي حديدي). فلا انتصار ولا بطولة لإسرائيل وحدها ولا بدعم الآخرين.