سافرات وينادين بالحجاب!

10 ديسمبر 2022
+ الخط -

لم تترك حادثة مقتل الفتاة الإيرانية مهسا أميني أثرها على علاقة النظام بحريات النساء على مستوى الداخل الإيراني وحسب، وإنما فتحت الباب واسعاً على التباس مفهوم الحريات في العالم وازدواجية المعايير في التعاطي معها!

فقضيّة إلزامية الحجاب ومشهد إزالة بعض الفتيات له عن رؤوسهن، رفضاً لتسلْط النظام باسم الدين، أثارت التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تباينت بين مؤيّد للقوانين الإيرانية وبين معارضٍ لها، وبين من يُضفي على القضية طابعاً سياسياً أو عقائدياً أو حقوقياً نسوياً. ولعل من أكثر التفاعلات غرابة، تلك التي صدرت عن نساء غير مُحجبات، يتفاعلن ويؤيّدن القوانين الإيرانية التي تنص على إلزامية ارتداء الحجاب وتقمع من يتخلّفن عن ذلك.

إنها القوانين الإيرانية التي فُرضت ما بعد الثورة الإسلامية عام 1979 لتعزّز قيام النظام على أساس دينيّ. أصدر آية الله الخميني قراراً يقضي بضرورة ارتداء النساء للحجاب في الدوائر الحكومية، وتظاهرت النساء المُعترضات لأيام داعيات إلى حرية ارتداء الحجاب، واستطعن بذلك إعاقة وتأجيل قانون الحجاب الإلزامي مؤقتاً. وفي عام 1981، صدر قانون التوظيف في الدوائر والمؤسسات الرسمية، والذي اعتبر عدم ارتداء الحجاب مخالفة. أما في عام 1983 فقد سنّ مجلس الشورى أوّل قانون يتعلّق بلباس المرأة في إيران، وتضمّنت المادة (102) من قانون التعزيز المُصادق عليه: "تُجازى النساء اللواتي في المعابر والأماكن العامة بدون حجاب شرعي بالتعزيز، ويحكم عليهن بـ 74 جلدة"، ليصدر بعدها قانون العقوبات الإسلامي عام 1996 الذي تناول السفور كجريمة في المادة (638) حيث يعاقب مرتبكها بالحبس ابتداء من 10 أيام أو 74 جلدة.

مقتل مهسا أميني في إيران فتح الباب واسعاً على التباس مفهوم الحريات في العالم وازدواجية المعايير في التعاطي معها!

الأمل بالمضي نحو الانفتاح ومزيدٍ من الحريات لدى الشباب الإيراني تزامن مع فترة حكم الرئيس حسن روحاني، المحسوب على التيار المُعتدل، والذي وصل إلى سدّة الرئاسة تحت شعار "الاعتدال والحكمة" عام 2013، وفاز بدورة رئاسية ثانية في عام 2017.

خلال الفترتين الرئاستين لروحاني لم تُعدّل القوانين المُتعلقّة بالحجاب، ولكن سياساته كانت أكثر مرونة، ويمكن القول إنه تمّ اعتماد سياسات غضّ النظر وعدم التشدّد في ملاحقة المخالفات المرتبطة بعدم ارتداء الحجاب. بعكس سياسات الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي الذي عزّز التشدّد وعمل على إصدار قوانين أكثر صرامةً في مسألة إلزامية الحجاب من خلال لجنة الأمر بالمعروف وشرطة الأخلاق، وهي التي اعتقلت مؤخّراً الفتاة الإيرانية مهسا أميني.

اشتعل الشارع الإيراني على أثر وفاة أميني أثناء اعتقالها، وانعكست هذه الحادثة على تفاعلات المنصّات الرقمية في مختلف دول العالم، ما بين معارضٍ لسياسات فرض الحجاب في إيران ومؤيد لها.

و كان اللافت هنا التفاعلات المتضامنة مع النظام الإيراني من النساء، تحديداً ضمن الجغرافيات التي تعود بالولاء الديني للمرجعية في إيران، كلبنان أو العراق وغيرهما، والتي برّرت القوانين التي تنتهك الحريّات وتقضي بإلزامية ارتداء المرأة للحجاب.

كيف لمن يتمتعون بالحرية أن يرضوا لغيرهم الحرمان منها؟!

فعلى قاعدة نظام الدولة الإسلامية والبعد العقائدي لها انطلقت هاتي النساء من مبدأ أنّ الحجاب هو فرض واجب في الشريعة الإسلامية. وهنا ظهرت فئتان من النساء المتفاعلات المواليات لسياسات النظام الإيراني؛ الفئة الأولى من ناشطات وإعلاميات ملتزمات بالضوابط الشرعية التي تفرضها الشريعة الإسلامية من خلال ارتدائهن للحجاب، وتأييدهن لمسألة فرض الحجاب، الأمر الذي قد يكون مفهوماً بعض الشيء، لأنّهن من المؤمنات بهذه العقيدة ويعملن وفقها، معتبرات أنّ عدم ارتداء الحجاب أمر خارج عن قواعد الدّين، وهو ما يمثّل حريتهن الشخصية في المعتقد، لكن هذه الحرية لا يمكن أن تكون ذريعة تسمح لهن بتأييد فرض هذا الأمر على الأخريات.

أما الفئة الأخرى، فهي من النساء غير المحجّبات (إعلاميات، ناشطات إلخ..) والمؤيدات لقوانين إلزامية ارتداء الحجاب، وقد ذهبن أكثر من ذلك في منشوراتهن من خلال الانتقاد والهجوم على النساء الإيرانيات الثائرات اللواتي يطالبن بأبسط حق من حقوقهن الإنسانية. لم نفهم أسس تأييد هذه الفئة لفرض ارتداء الحجاب على الفتيات الإيرانيات. فحتماً هذا التأييد لا يتصل بالبعد الديني أو العقائدي أو اعتبار قيادة النظام الإيراني مرجعية شرعية، لأنّهنّ، وبالأصل من غير المُحجبات، لا بل أكثر من ذلك، هن يتمتّعن بحرية اللباس، فكيف لمن يتمتعون بالحرية أن يرضوا لغيرهم الحرمان منها؟

المواد القانونية المذكورة في المدونة معتمدة على دراسة تحت عنوان "جدل الحجاب في إيران بين الديني والسياسي" لفاطمة الصمادي.
راغب ملي/ فيسبوك
راغب ملي
مدير الاتصال الرقمي في مركز أبحاث الحكومة الإلكترونية، كاتب وباحث ومتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي.