زيلينسكي رجل العام
زيلينسكي هو رجل العام! هكذا أعلنت مجلة تايم الأميركية. رئيس التحرير إدوارد فيلسنتال أشاد بالرجل وبخصاله، معتبراً إياه "قائداً حقيقياً"، لأنّه يقود مقاومة شعبية ضدّ الغزو الروسي لبلاده، دون أن يهرب من كييف، أو يتوانى على مخاطبة كل برلمانات العالم طالباً الدعم. فهل، فعلاً، كان زيلينسكي رجل العام؟
يرى الكثيرون، خاصّة من الغرب، مثلما يعتقد رئيس تحرير "تايم"، أنّ الرجل كان كذلك، رجل العام، من حيث نشاطه في حرب روسيا ضدّ بلاده. ويعتقد آخرون أنّ زيلينسكي ليس سوى دمية تحرّكها الولايات المتحدة الأميركية في مشروعها الكبير، الذّي يهدف إلى إسقاط أقطاب أخرى طور التشكّل حول العالم، أوّلها قطبا روسيا والصين. ونعتقد أن زيلينسكي بصدد أداء دور "عظيم" ولكن ليس لصالح بلاده.
زيلينسكي بدا ظاهرة إعلامية أكثر منها مقاتلاً. كان يختار المشاهد التي يظهر فيها بعناية. حتى إنّ هناك من اتّهمه باستعمال "الخلفية الخضراء" لتركيب أخرى تصلح لتسويق فكرة معينة. وكان جلّ حديثه منذ اجتياح أوكرانيا يتمحور حول ثلاث نقاط: دعمه بالسلاح وزيادة فرض العقوبات على روسيا وطلب عضوية في الاتحاد الأوروبي.
ربما تكون هذه الطلبات موضوعية في ظل حرب قاسية مدمرة، إلا أنّ اللامنطقي هو أنّ كل ما يطلبه ليس إلا دعوات صريحة لإطالة أمد الحرب على بلاده، والتي دُمّر ثلث بنيتها التحتية تدميراً كاملاً، وهو ما سيكلّفها أجيالاً لإعادة البناء. فالزعيم الحقّ، يرفع البندقية، ويستلهم الحلول ويقدّمها للعالم، ولخصمه، لتجنّب خراب لا نهاية له. وهو ما لا يفعله زيلينسكي، الذي تطوّعت أغلب وسائل الإعلام الغربية للتسويق له، وهذا التسويق جعله يمتد في نفس الفكرة: الوقوف عالياً، وتوجيه آلة الحرب التّي تحصد كل يوم الأرواح البشريّة، مدنيّة وعسكريّة.
زيادة على ذلك، فإنّ زيلينسكي ليس هو مفتاح الحرب الروسية الأوكرانية أو أحد أسبابها. إنه طارئ عليها. هذه الحرب تمتد جذورها إلى سنة 1920 حينما اجتاحت القوات الروسية أوكرانيا، ثم ضمها إلى الاتحاد السوفييتي في 1922. وتعود إلى ما بعد سنة 1991 تاريخ انحلال الاتحاد السوفييتي. وتعود إلى الثورة الأوكرانية منذ سنة 2013-2014، ومنذ اتفاقيات مينسك منذ سنة 2014، وضمّ القرم. هذه الحرب أكبر من زيلينسكي، نفسه، وأكبر من روسيا وأوكرانيا معاً. إنها حرب يتداخل فيها التاريخ والجغرافيا، من أوروبا إلى أميركا إلى أغلب الشرق.
وسيكتب التاريخ أنّ دور زيلينسكي كان عظيماً جداً في تغيير وجه العالم وأقطابه. لقد كان لرئيس أوكرانيا الفرصة الفضلى في أن تبقى دولة محايدة، فيستفيد من روسيا ذاتها، ومن أوروبا ومن أميركا، وينأى ببلده عن التدمير وبشعبه عن القتل، في حرب يتواجه فيها سلاح الروس والغرب، وليس سلاح الروس وأوكرانيا. كان الفرصة الأفضل لأنّ الكل يعرف أنّ المواجهة ما بين أميركا والأقطاب الصاعدة آتية لا محالة. فاختار زيلينسكي، أو تم اختياره، ليلعب هذا الدور. لعب هذا الدور جعل منه الرجل المفتاح لتغيير خريطة العالم وتحالفاته. وعظمة النتائج، سلبية كانت أو إيجابية، سترتبط إلى الأبد بالرجل الذي لعب الدور الأهم، وهو زيلينسكي.
كما يجب ألا ننسى أنّ "تايم" تهب صفة "رجل العام" لحجم الفعل الذي حدث وتأثيره على مجريات الواقع في العالم. فقد وهبت هذه الصفة للرئيس محمد أنور السادات في سنة 1977، بعد أن أسقط كل الثوابت وركض وراء السلام الزائف في الكنيست الإسرائيلي. كما نفس اللقب إلى الرئيس ياسر عرفات في سنة 1993 بعد أن أسقط أغلب حقوق بلاده التاريخية، ورضي بالخذلان لسلطة وهمية، أصبحت الآن تمثل ذراعاً ضد المقاومين. وزيلينسكي لا يختلف كثيراً عن السادات أو عرفات، يكفيهم أن يصبحوا ظواهر إعلامية، بعيداً عن مصلحة الوطن.
زيلينسكي يستحق صفة رجل العام، إلا أنه ألحق ضرراً فادحاً ببلده وشعبه.