رحلة السوريين إلى أوروبا بين المأساة والطموح (3)

رحلة السوريين إلى أوروبا بين المأساة والطموح (3)

20 مارس 2022
+ الخط -

وصول الهدف

وصلنا نقطة التحميل ننتظر قدوم السيارات، أول يوم لم تأت، وفي هذه الحالة تكثر الأكاذيب التي تسمعها، واعتدت عليها، إذ يقول لك المهربون ساعة وتكون السيارة عندك، ثم تمضي الساعة، فيقولون لك الساعة كذا تأتيك السيارة! وهكذا مضى النهار وحل الليل ولم تأت السيارة، نفد طعامك وشرابك، وازداد البرد بسبب قلة الحركة، ولم تأت السيارة..

كنا مجموعتين ننتظر سيارات التحميل، كانت مجموعتنا 37 شخصا، والثانية 30، تبعد عنا حوالي 400 متر، اقتحم مكانهم الكوماندوز فأخذهم كلهم، واستطاع راكب واحد أن ينجو، ولحق بنا، ثم اضطررنا لتغيير مكاننا خشية المباغتة من قبل الكوماندوز، فمشينا 15 كيلومترا إضافية.

بقينا عدة أيام ننتظر السيارة من دون أكل ولا مياه، ثم جاءت السيارة أخيرا، أخذتنا إلى سالونيك، وضعنا صاحب السيارة كما توضع الأغنام من دون مراعاة لأي اعتبار، ولم تكن  لدينا مشكلة ما دام أننا في طريقنا إلى الهدف.

وصلنا إلى الهدف الرئيسي، سالونيك، وهي مركز الانطلاق نحو صربيا عبر دول عدة، وبوصولك إليها ستكون قد قطعت 80% من وجودك في اليونان، لكنك تبقى مهددا فيها بالترحيل إلى تركيا في أي لحظة.

في الـ"كامب" تجد السوريين من المناطق الشرقية يستمعون إلى الأغاني الشعبية الفراتية ويرقصون على أنغامها، وهذا روتين شبه يومي يمارسونه

استقبلنا الأفغان بكل عنف وهم يحملون خراطيم يضربون كل من يرفع صوته أو يطلب طعاما، هنا تتذكر أنك وصلت إلى سالونيك، الهدف الأساسي الذي تم الاتفاق بينك وبين المهرب وبين المكتب عليه، فتفك الشيفرة ويصل المبلغ إلى المهرب من خلال المكتب، وتكون مصلحة الركاب قد تحققت مع مصلحة المهرب وكذلك صاحب المكتب.

ثم تبدأ قصة أخرى من استغلال أصحاب السكن للمهاجرين إن أرادوا شراء أي شيء من لباس وطعام، فالمهاجر لا يمكن له الخروج والشراء بنفسه بسبب مخاطر الترحيل إلى تركيا، فيكون صاحب السكن هو الذي يقوم بعملية الشراء، ويستغل هذا الأمر لمصلحته بشكل سيئ،  فمثلا يشتري "السندويشة" من السوق بـ 3 يورو، ثم يبيعها لك بـ 8، ويشتري الحذاء من السوق بـ 20، ويبيعه لك بـ 40.. وهكذا.

ثم تأتي مرحلة ثانية من رحلة اللجوء، ولها سعر مختلف عن سابقتها، وهي من سالونيك إلى صربيا، وتتراوح قيمتها بين 1000 و1300 يورو..

وهناك طريقان للوصول إلى صربيا، الأول من ألبانيا فكوسوفو ثم صربيا، والثاني من مقدونيا إلى صربيا، أغلب السوريين يسلكون الطريق الأول، كون المهربين والأدلاء عرباً من سورية وفلسطين، والطريق الثاني يسلكه الأفغان والباكستانيون، وقليل من السوريين يسلكونه خوفا من الأفغان! وإذا تعرضت لعمليات سطو و"تشليح" للركاب، من دون أن تعلم في أي الطريقين أنت.. فأنت سلكت طريق مقدونيا!

كان يقودنا مهرب باكستاني سريع في مشيه، لا يتعب، أنت تركض وهو يمشي ومع ذلك فهو يتقدمك! ولغة التفاهم بين السوريين والمهربين الباكستانيين والأفغان هي اللغة التركية، فالطرفان أقاما هناك وعملا فيها.

سلطان الكنج .. سورية
سلطان الكنج .. سورية

سلطان الكنج

باحث وصحافي سوري، درس الفلسفة في جامعة دمشق، أكتب في الشأن السوري لا سيما الجماعات الإسلامية والجهادية، إضافة إلى كتابات فلسفية ودينية.

اجتزنا الحدود المقدونية اليونانية بكل سهولة، استغرق الأمر ساعة، ولم تأت السيارة أيضا، فبقينا الليل كله وسط درجة حرارة منخفضة، ولا يمكن لك أن تنام في أجواء البرد القارس، في الصباح الثاني، قدمت سيارات يقودها ألبان ومقدونيون، وتمشي أمام السيارة التي تقل الركاب سيارة كشاف لمعرفة وضع الطريق، تقودها امرأة لتبعد الشبهات! ثم تنطلق السيارات الحديثة، وهي تضع الركاب بعضهم فوق بعض، بينما تكدس آخرون في تابلوه السيارة "البوكاج"..

وصلنا صربيا التي لا يعترضك فيها أحد ولا يوقفك، ذهبنا إلى "الكراج" للوصول إلى  بلغراد العاصمة، ثم ركبنا حافلة أخرى أوصلتنا إلى نقطة تجمع اللاجئين، "كامب سنبر" قرب الحدود مع المجر، هناك تجد السوريين بكل أطيافهم وتجد أيضا العراقيين والمغاربة والمصريين! فصربيا نقطة التمركز للانطلاق إلى أوروبا الغربية.

في الـ"كامب" تجد السوريين من المناطق الشرقية يستمعون إلى الأغاني الشعبية الفراتية ويرقصون على أنغامها، وهذا روتين شبه يومي يمارسونه، كذلك تجد المهربين "يصطادون" الركاب للعبور بهم إلى المجر، وهي المرحلة الثالثة من الرحلة.

في هذه المرحلة يتفق الراكب مع المهرب على المبلغ، وتتراوح الأسعار بين 3000 و3800 يورو، والهدف هو الوصول إلى النمسا، وتحديدا مدينة فيينا للذي يريد الاتجاه نحو ألمانيا أو بلجيكا وغيرها..

سلطان الكنج .. سورية
سلطان الكنج .. سورية

سلطان الكنج

باحث وصحافي سوري، درس الفلسفة في جامعة دمشق، أكتب في الشأن السوري لا سيما الجماعات الإسلامية والجهادية، إضافة إلى كتابات فلسفية ودينية.

هنا عليك أن تجتاز الشريط الحدودي  بين صربيا والمجر، وهو شديد المراقبة، فالأسلاك موصولة بـ"حساس" يعطي إنذارا لحرس الحدود المجري، ولكي تقطع الأسلاك يجب أن تكون حذرا. ومن يقوم بوضع السلالم لتخطيها هم الأفغان، وهم من يتولون الأمر ولا يسمحون للسوريين أو غيرهم تولي عملية العبور، كما أن هناك صراعاً بينهم وبين السوريين على مناطق معينة يتم العبور منها.

عليك أن تعبر شبكتين بارتفاع مترين، ثم تنطلق بتجاه غابات المجر الباردة، تصل درجة الحرارة أحيانا إلى 7 تحت الصفر، ثم عليك أن تمشي كثيرا لتصل إلى النقطة التي ستنطلق منها السيارات إلى الأراضي النمساوية، وتظل على طول طريق المشي داخل غابات المجر مهددا بالإرجاع إلى صربيا، وهناك فرق بين الكوماندوز المجري واليوناني، فالمجريون لا يمارسون العنف ولا يأخذون الملابس ولا يقومون بمصادرة الهواتف..

يتبع...

سلطان الكنج .. سورية
سلطان الكنج
باحث وصحافي سوري، درس الفلسفة في جامعة دمشق، أكتب في الشأن السوري لا سيما الجماعات الإسلامية والجهادية، إضافة إلى كتابات فلسفية ودينية.