رحلة السوريين إلى أوروبا بين المأساة والطموح (1)

22 فبراير 2022
+ الخط -

قدر على السوريين أن يهجروا من بيوتهم ومدنهم، وينتشروا في بقاع العالم، بفعل آلة البطش التي استخدمها النظام، ذنبهم الوحيد أنهم طالبوا بالتغيير وقليل من الحرية، فقام النظام باستخدام كل أنواع الأسلحة لقصفهم وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، حيث مارس سياسة ممنهجة في تهجير الملايين منهم وطردهم من ديارهم، مما أجبرهم على الفرار إلى بلدان الجوار، وكذلك نزحوا إلى مناطق سورية أخرى أكثر أمناً من مناطقهم.

فسلك كثير من السوريين طرق الهجرة البعيدة، متوجهين إلى أوروبا بحثاً عن حياة أفضل وفرص عمل أكبر، وكانت 2015 أكثر سنة طرق فيها السوريون أبواب أوروبا، فتوزعوا على أغلب دولها..

في ذلك العام لم تكن تكلفة الهجرة باهظة كما أصبحت فيما بعد، إذ كانت تكلفتها تبلغ حوالي 1000 دولار، ولكن بعد ذلك تغيرت الظروف وازدادت الصعوبة من جميع النواحي، فشددت الدول حدودها، الأمر الذي انعكس على التكلفة المادية، كما أن طرق الهجرة نفسها أصبحت أشد صعوبة، وكثرت عمليات النصب وازداد استغلال المهربين للمهاجرين، وانعكس تشديد الحدود سلباً على حلم السوريين بالوصول إلى حياة أفضل.

وبعد موجة النزوح الكبيرة التي شهدها عام 2015، بدأت تلك الحركة تخف، لكنها عادت لتنشط من جديد خلال العامين الماضيين، ولهذا النشاط أسباب عدة، خاصة العام الماضي الذي يشبهه كثيرون بأنه يماثل فترة 2015.

تتجه إلى إسطنبول وتذهب إلى الأحياء التي يوجد فيها السوريون، وتشتري المعدات اللازمة للرحلة

ولعل أهم الأسباب لهذا التدفق ارتفاع الأسعار بسورية وانتشار الغلاء، سواء في مناطق النظام أو مناطق قسد وكذلك في مناطق المعارضة.. فمن الأسباب انتشار البطالة في سورية عموماً ويأس الناس من انتهاء الحرب وعدم حدوث تغير، لا سيما بعد "ترشح" بشار الأسد وفوزه بولاية رئاسية جديدة، إثر انتخابات هزلية أجراها لنفسه..

الجدير بالذكر أن كثيراً من السوريين الذين يسلكون طرق الموت نحو أوروبا هم من شرق سورية الذي تسيطر عليه قوات سورية الديمقراطية "قسد" التي تفرض التجنيد الإجباري، مما يدفع الشباب إلى ترك مناطقهم والتوجه نحو أوروبا، كذلك ممارساتها العنصرية وانتشار البطالة في مناطق سيطرتها، كلها أسباب تدفع بأهالي المناطق الشرقية للهجرة.

ومناطق سيطرة النظام هي الأخرى شهدت في الأشهر الماضية حركة هجرة كبيرة إلى عدة دول، إذ ازدحم مطار دمشق بالمغادرين إلى أربيل بالعراق، ومصر، كما قدم الكثير من أهالي المدن السورية الواقعة تحت سيطرة النظام إلى إدلب للعبور إلى تركيا، ومن ثم أوروبا، وكانت لهذه الهجرة من مناطق النظام أسباب عدة، أبرزها الاصطفاف في طوابير الخبز والوقود وانقطاع الكهرباء وهبوط الليرة، إضافة إلى غلاء الأسعار بشكل فاحش وتدني الأجور، حيث لا يكفي راتب الموظف لشراء صفيحة "تنكة" زيت زيتون.

أما مناطق المعارضة هي الأخرى فليست أفضل حالاً، وإن كانت أكثر أمناً للشباب من مناطق قسد والنظام، فهي لا تفرض التجنيد الإجباري، لكنها تعاني هي الأخرى من غلاء الأسعار، بسبب ارتباط الشمال السوري بالليرة التركية التي انخفضت أمام الدولار، مما أثر سلباً على حال المدنيين في شمال سورية، والبطالة تنتشر بشكل كبير.

كما أن انهيار الأوضاع الاقتصادية في لبنان دفع كثيراً من السوريين إلى الهجرة، فسلكوا عبر شبكات التهريب الطرق إلى مناطق النظام من أجل الوصول إلى تركيا، لمواصلة رحلة الأمل، ويسلك السوريون من لبنان إلى مناطق النظام طريقاً عسكرياً، حيث يتعامل المهربون مع ضباط النظام بدفع رشوة لهم مقابل السماح للشباب بالعبور، لا سيما أن أغلبهم مطلوب للأجهزة الأمنية وشعب تجنيده.

وأغلب السوريون الذاهبون إلى أوروبا هم المقيمون في تركيا، خاصة بعد أن ازدادت حالات العنصرية ضدهم، وقيام المعارضة التركية بحملات تستهدف وجودهم وتدعو إلى طردهم، كما أن تدني أجورهم مقابل انخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار وانتشار الغلاء هي أشياء شجعتهم على مغادرة تركيا، إضافة إلى قرب تركيا من اليونان التي تعتبر بوابة الدخول إلى أوروبا.

آلية التهريب

تبدأ القصة من إسطنبول التي يوجد فيها المهربون وزعماء شبكات التهريب، فيتواصل الفرد "المهاجر" معهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويستفسر عن الأسعار والطرق والشروط، فيتم الاتفاق على المبلغ مقابل نقطة وصول إلى اليونان، وكذلك يتم الاتفاق على وضع المبلغ في مكتب متفق عليه بين الطرفين، وهو ما يسمى بـ"التشيك"، فيتم التوافق مع المكتب على كلمة سر "شيفرة" لا تفتح إلا إذا وصلت إلى وجهتك المتفق عليها، عندها يرسل صاحب المكتب المبلغ للمهرب..

ثم تتجه إلى إسطنبول وتذهب إلى الأحياء التي يوجد فيها السوريون، وتشتري المعدات اللازمة للرحلة من مواد غذائية (معلبات وخبز ولباس يقيك المطر وما يسمى "بالمنامية" وهي عبارة عن قطعة من الجلد مبطنة تتسع لشخص ينام فيها)..

يتبع...

سلطان الكنج .. سورية
سلطان الكنج
باحث وصحافي سوري، درس الفلسفة في جامعة دمشق، أكتب في الشأن السوري لا سيما الجماعات الإسلامية والجهادية، إضافة إلى كتابات فلسفية ودينية.