خطاب الكراهية في الأردن وآثاره المدمرة على المجتمع
ربما سمعتَ في وكالات الأنباء خبر مصرع طفلٍ في العاصمة الأردنية يبلغ من العمر 12 عامًا إثر سقوط حجر عليه وهو يحتفل مع مجموعة من الأشخاص بفوز فريقه بربع نهائي كأس البلاد!
وربما تناهى إلى سمعك خبر إقامة المباراة دون جمهور بناءً على طلبٍ من الجهات الأمنية، وانسحاب نادٍ بسبب نقل مباراته إلى ملعب آخر.
كلّ هذه الأحداث المؤسفة كانت نتيجة "خطاب الكراهية" الذي سبّب الكثير من الآلام والأحزان للإنسانية جمعاء. لذا، دعنا نلقي نظرة من كثب على هذه الظاهرة، وننشر الوعي بآثارها المدمرة.
مفهوم خطاب الكراهية
عرّف القانون الأردني خطاب الكراهية بأنه كل كتابة وكل خطاب أو عمل ينتج منه إثارة النعرات المذهبية أو العنصرية أو الحض على النزاع بين الطوائف ومختلف عناصر الأمة.
وقد أتاحت شبكة الإنترنت الحق لكل شخص في التعبير عن نفسه وآرائه، الأمر الذي ساعد في ظهور منابر لأشخاص محرضين متطرفين خلطوا بين خطاب الكراهية وحرية التعبير، وشرعوا في إلحاق الضرر بالآخرين والنيل من كرامتهم والحط من قيمِهم المعنوية بهدف تحقيق مصالح على حساب أطراف أخرى.
المجتمع الأردني يميل بطبيعته إلى التسامح والتعاون، بيد أن هناك طائفة بدأت في نشر خطاب الكراهية بين المجتمع لأغراض معينة
الفرق بين مفهوم خطاب الكراهية وحرية التعبير
يشير المتخصصون في القانون الدستوري بالأردن، إلى أن لكل شخص الحق في حرية التعبير عن نفسه وآرائه بشتى وسائل التعبير المختلفة، ولكن لا يجوز له أن يتجاوز هذه الحرية بما يسبب الضرر للمجتمع ويهدد سلميّته، فهذه جريمة يعاقب عليها القانون بنص المادة الـ20 من قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم 26 لعام 2015، والذي تم تحديثه في عام 2017 لينص على أنه "يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة، كل من حرّض على كراهية بأي وسيلة كانت، وفي أي مكان كان".
منصات التواصل الاجتماعي بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية
منصات التواصل الاجتماعي، سلاح ذو حدين، وبقدر ما يمكن استخدامها في التوعية ونشر الخير؛ بقدر ما يستغلها الكثيرون في التحريض وخطاب الكراهية والمشاحنات، خاصةً عند الأحداث والفعاليات الجماهيرية، وهو ما لمسناه بين جماهير فريقي الفيصلي والوحدات، أكبر الفرق الأردنية لكرة القَدم على سبيل المثال، السبب الذي دفع الأجهزة الأمنية إلى إقامة المباراة دون جمهور.
إنها منافسة رياضية، وكان من المفترض أن يتمتع المشجعون بروح رياضية، ولكن ما حدث من التحريض وانتشار خطاب الكراهية بين المشجعين كان أمرًا مؤسفًا دفع ثمنه الأطفال وأصبح يشكل تهديدًا لاستقرار وأمان المجتمع بأكمله.
لقد تضمّن خطاب الكراهية عبارات التحريض والتهديد بالانتقام وتداول الألقاب العنصرية، بل وصل الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك من إحداث الإصابات والوفيات في الأشخاص وإتلاف الممتلكات، الأمر الذي حدا الدولة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحد مما يهدد سلامة المجتمع وأمنه.
دور الدولة في الحد من انتشار خطاب الكراهية في الأردن
للدولة دور كبير في الحد من ظاهرة انتشار خطاب الكراهية في الأردن، خاصةً بعدما أصبح بإمكان كل شخص تقديم رسالة إعلامية دون أي ضوابط مهنية أو أخلاقيّة، ويمكن هذا الدور أن يتمثّل في عدد من الإجراءات التي اتُّخِذَت من قبِيل:
1. توقيف الأمن الأردني للمحرضين، الذين ينشرون ما يحض على العنف والكراهية على منصات التواصل الاجتماعي.
2. اتخاذ الإجراءات القانونية ضد القائمين على الصفحات الإلكترونية التي تبث مثل هذا الخطاب أيًّا كان مصدرها ونوعها.
3. التوعية الإعلامية في أوساط الشباب والأجيال الجديدة بضرورة الحيادية والموضوعية والتزام الأخلاقيات المهنية في نشر الأخبار، والتركيز على السلم المجتمعي والوحدة الوطنية.
في النهاية، فإن المجتمع الأردني يميل بطبيعته إلى التسامح والتعاون، بيد أن هناك طائفة بدأت في نشر خطاب الكراهية بين المجتمع لأغراض معينة، وعلينا أن نتكاتف سويّة للحد من ذلك، كأفراد فاعلين في المجتمع نعمل في مختلف قطاعاته، خاصةً في مجالات الإعلام والتدريس، وما شابه، ولا ننسى الدور الأساسي للأسرة في تنشئة أبنائها على المشاركة الاجتماعية ونبذ العنف والتحريض عليه بكل صوره وأشكاله.