"خرتيت الدقهلية"... وحق النساء في الميراث
تداول نشطاء السوشيال ميديا في مصر، خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر أغسطس/ آب الماضي، وتحديداً يوم 17 منه، فيديو لرجل يسحل شقيقته في الشارع، بعد أن رفعت الأخيرة عليه قضية للحصول على حقها الشرعي من الميراث.
والقصة، وفقاً لما تَمّ تداوله، أنّ هذه السيدة أرملة وتعيل بناتها، لذا هي في حاجة لمورد ما، فقامت بطلب نصيبها الشرعي في الميراث من شقيقها، وحاولت التفاوض معه، ولكنه رفض. لذا لجأت إلى المحكمة ليتربّص بها، ويظهر في مقطع مصوّر، وهو يضرب شقيقته الكبرى (55 سنة) في الشارع، ويجرّها من شعرها وينزع عنها حجابها وهي تبكي في حرقة.
تدخّل المارة وقامت امرأة بتصويره وتهديده بالإبلاغ عنه وحبسه. وبعد نشر الفيديو تواصلت التعليقات الرافضة لسلوك هذا الرجل وتمّ تدشين هاشتاغ #خرتيت_الدقهلية، وتعالت الأصوات بضرورة ضبطه وإحضاره من قبل السلطات لمعاقبته وهو ما تمّ بالفعل. وفي مقطع آخر يظهر وهو يبكي ويقبّل رأس أخته ويطلب منها أن تسامحه.
هذه الواقعة تستدعى أمرين، الأوّل: هو سجل سحل النساء، فالسحل يبدو أنّه منهجية ذكورية، يقوم بها الأفراد والسلطات من أجل إذلال النساء. سلطات الاحتلال الإسرائيلي تسحل النساء الفلسطينيات، والشرطة الإيرانية تسحل النساء غير المحجبات، وفي تونس قام شرطيان بسحل امرأة رفضت الذهاب معهما إلى قسم الشرطة، وبعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، وفي أثناء إدارة المجلس العسكري لشؤون البلاد في مصر، قام أفراد من الجيش بسحل فتاة في الشارع أثناء أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر/ كانون الأول 2011، في الواقعة المعروفة باسم "ست البنات"، والتي تمّ الاعتداء عليها وتعريتها ولم يبن منها إلا حمالة صدر زرقاء.
وبالنظر إلى معنى "سحل" في لسان العرب، هو السحق، والكشط. سَحَلَه يَسْحَله سَحْلاً فانْسَحَل: قَشَره ونَحَته. سحَل الشَّيءَ: سحَقه، برَده، كشطه، نحته. والسَّحْل: الضَّرْب بالسِّياط يَكْشِط الجِلْد. وسَحَلَه مائةَ سَوْطٍ سَحْلاً: ضَرَبه فَقَشر جِلْدَه. فالسحل هنا يظهر البطش واستخدام القوة المفرطة مع الخصوم أو المعارضين. السحل نهج اخترعته السلطات لسحق معارضيها.
التقاليد والأعراف وتسلّط الذكور في العائلات، يجعل من مسألة حصول المرأة على نصيبها من الميراث أمراً بالغ الصعوبة
الأمر الثاني، ويتعلق بميراث النساء، فعلى الرغم من أنّ التشريع واضح في هذه المسألة، فبالنسبة للمسيحيات تمّ إقرار مساواة النساء بالرجال في الميراث، فللمرأة نفس حصّة الرجل في الميراث. وقد قامت المحامية، هدى نصر الله، برفع دعوى ضد توريث النساء المسيحيات وفق الشريعة الإسلامية وتمّ الحكم لصالحها. ولكن شرط التساوي في الميراث هو التوافق بين الأخوة والأخوات، وفي حال الخلاف واللجوء إلى المحاكم سيتم الحكم وفقاً للشريعة الإسلامية! وفي حال المرأة المسلمة، فالنص القرآني واضح هنا، كما يقول رجال الدين والفتوى. للمرأة نصف حصة الرجل في الميراث، إلا أنّ النساء لا يحصلن حتى على هذا النصف، ويتم اللجوء إلى ترضيتهن بأيّ شيء، وكأنّ المرأة لا ترث، وخاصة إذا تزوجت من غريب عن العائلة.
كثير من الدراسات، أكدت الظلم الواقع على النساء في ما يتعلّق بالميراث، وذلك على الرغم من أنّ التشريعات والقوانين تُنصفهن أحياناً، إلا أنّ التقاليد والأعراف وتسلّط الذكور في العائلات، يجعل مسألة حصول المرأة على نصيبها، وفقاً للتشريع الإسلامي، أمراً بالغ الصعوبة.
هناك حملات من المجلس القومي للمرأة من أجل تجريم حرمان النساء من الحصول على حقوقهن في الميراث، ولكن مسألة المواريث والتقسيم في مصر، في الأراضي أو في البيوت، مسألة تحكمها أكثر قوة العائلة الممتدّة، وهي أعلى قوة من القانون والتشريع أيضاً.