بوتين يهدّد بمجاعة عالمية
أعلنت روسيا في 29 أكتوبر/ تشرين الأول انسحابها من اتفاقية الحبوب قبل أن تتراجع عنها، مما يعني أنّ التهديد بوقف صادرات الأغذية الأوكرانية إلى البلدان التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي لا يزال قائماً عند كل منعطف روسي. ففي ظلّ احتمال خسارة روسيا الحرب على أوكرانيا، والتقهقر الكبير للروس وخساراتهم الكبيرة والمتلاحقة، فإنّ بوتين، المحشور في الزاوية اليوم، يهدّد بمجاعة عالمية وفوضى وأعمال شغب في شوارع المدن الأوروبية التي ستجتاحها موجات اللاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط. وهذا هو عموماً التكتيك النموذجي الإجرامي الذي تستخدمه روسيا لشن الحرب بوسائل هجينة.
طالما لجأت روسيا إلى الأساليب الإجرامية والإرهاب وإبادة المدنيين، أثناء شنّها الحروب، ولعلّ ما حصل في مدينة حلب خير دليل على ذلك. ومن بين جميع المستعمرين الذين دخلوا الأراضي الأجنبية بالقوة، كان الروس يتميّزون بقسوة شديدة، وهو الأمر الذي كتب عنه المؤرخون.
ليست مجازر الرئيس السوفييتي جوزيف ستالين بعيدة عنا، إذ باتت استراتيجية الأرض المحروقة مقترنة بالروس، بما في ذلك الناس والأشياء والموارد، وتأكدت مصداقية هذه النظرية تماماً خلال الغزو الروسي لأوكرانيا. وبسبب فشل خطة الكرملين للحرب الخاطفة، لجأ بوتين إلى استخدام أساليب الحرب الأكثر إثارة للاشمئزاز، ومنها التطهير العرقي وتدمير المناطق السكنية والضربات على البنية التحتية الحيوية والاستفزازات باستخدام السلاح النووي، وبالطبع السعي لإحداث مجاعة عالمية.
تمارس روسيا إرهاب الدولة، وتهدّد الاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم، ويقودها مجرم حرب في القرن الحادي والعشرين
بفضل الجهود الجماعية للمجتمع الدولي في شهر تموز/ يوليو نجح إبرام اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية. ولكن ابتداء من شهر أيلول/ سبتمبر أخذت روسيا تعلّق السفن المحمّلة بالحبوب الأوكرانية لفترة غير محدّدة. وفي بداية أكتوبر/ تشرين الأول، حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إغلاق الموانئ الأوكرانية مجدّداً، وبحلول نهاية الشهر الجاري علقت 176 سفينة محمّلة بالحبوب في الموانئ. وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب عقب الهجوم على سفن أسطول البحر الأسود في ميناء سيفاستوبول، قبل أن تتراجع عن الأمر.
يسعى بوتين من كلّ ذلك إلى زعزعة استقرار الغرب عن طريق تجويع العالم كله، وخاصة دول آسيا وأفريقيا التي تعتبر الأكثر عرضة لخطر المجاعة. وتبنت روسيا هذا الأسلوب منذ زمن، ففي العهد السوفييتي على سبيل المثال كان تجويع السكان أسلوباً معتاداً لدى الكرملين. أما الرئيس الروسي الحالي، بوتين، فقرّر توسيع تطبيق هذا التكتيك ليطال العالم بأسره. إنّ روسيا دولة تمارس إرهاب الدولة، وتهدّد الاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم، ويقودها مجرم في القرن الحادي والعشرين.
ولذا لا بد من مواصلة ممارسة الضغط الجماعي على الكرملين، لأنّ عواقب الحصار الغذائي وتهديد الأمن الغذائي ستكون وخيمة على الجميع، وسيتضرّر منها بالدرجة الأولى الفقراء والبسطاء في العالم، لا سيما أوكرانيا الدولة، الرابعة في إنتاج الحبوب عالمياً، وحيث تستورد الدول العربية 38% من حبوبها من أوكرانيا.