بعد عشر سنوات لا يزال يترنّح
كانت جملة "الانقلاب يترنح" مبعثا للسخرية تارة وللتهكّم تارة أخرى على مدار السنوات الأولى من الانقلاب العسكري في مصر، حتى خفتت تلك النغمة وخبت.
لكن، وبعد مرور عقد من الزمان، يبقى السؤال: هل تغيّر الحال وثبّتَ الانقلاب أقدامه كأمر واقع، أم أنه (وياللعجب)، ما زال يترنح؟!
من الصفات الأصيلة (للأسف) في المصريين أنهم قليلو الجلد، نافذو الصبر، يستعجلون بالحسنة ويركنون إلى الاستقرار، ولو على حيف وضيم، فيعدّون السنوات العشر التي هي لحظات من عمر الأوطان، وكأنها أوقات طوال وأعمار وآجال.
يقول علماء السياسة إنّ الانقلابات العسكرية تكتسب شرعيتها من سيطرتها على مقاليد القوة، لكن تظلّ تلك الشرعية منقوصة طالما لم تنتقل إلى الخطوة التالية، وهي استرضاء الشعب، وإلى ذلك الحين تظل السلطة انتقالية مؤقتة.
فعلى سبيل المثال، حرص انقلاب الضباط المصريين في عام 1952 على استرضاء غالبية الشعب من خلال قوانين اشتراكية تصبّ نظريًا في صالح العدالة الاجتماعية، واستغلّ عاطفة الشعب الإسلامية القوية حينها في اصطفاف تعبوي على الحدود ضد العدو الإسرائيلي، والذي كان أكثر من استفاد من وجوده هو النظام العسكري في ذلك الوقت.
لكن الانقلاب الحديث بالطبع لا يستطيع معاداة العدو الجار لتجييش المصريين خلفه، فكان عليه أن يقسمهم شيعاً، ويجعل لهم من أنفسهم عدواً، وينسج حول ذلك قصصا وأساطير... وهي حيلة قديمة، فعلها أسلافه كما فعلها أولياؤه في واشنطن حين "اختلقوا إرهاباً" يهدّد أمنهم. ويكرّر نفس الأمر كلّ رئيس وزراء صهيوني، حين تفوح رائحة فساده وتلوح بوادر إطاحته، فيهرع لضرب الأبرياء من أهلنا في فلسطين لإبقاء تلك الفزاعة، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة.
أخفق النظام المصري في استرضاء المواطنين في كلّ الملفات الأساسية مثل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والصحة والتعليم
ولعلّ الأسئلة التالية توضح فعلًا ما إذا كان الانقلاب مستقراً فعلاً أم لا: كم انتخابات حرّة أجراها النظام خلال السنوات العشر الماضية؟ وما مدى حرية الصحافة المسموح بها؟ وهل تمّ فتح الميادين للتعبير عن الرأي؟ ولماذا كلّما رفع مواطن، ولو وحده، لافتة وحيدة، يتم اعتقاله فورا؟ وهل تمّ استطلاع رأي واحد نزيه، تُعلن نتيجته على العلن بمقياس رضا الناس أو أي شيء آخر؟ وما مدى شفافية تحرّكات النظام على الساحتين المحلية والدولية؟
الإجابات عن الأسئلة السابقة توضح بما لا يدع مجالًا للشك أنّ النظام المصري أخفق في استرضاء المواطنين في كلّ الملفات الأساسية، مثل الاقتصاد والعدالة الاجتماعية والصحة والتعليم والأمن، واعتمد فقط على بعض الإنجازات في مجال البنية التحتية، والتي تُعتبر من اهتمامات المواطن الثانوية.
باختصار، لكي يستقر أيّ نظام، لا بد له من الوقوف على ساقين، إحداهما القوة والأخرى رضا الشعب. وحال أخفق في تحقيق الثانية، وحتى لو بقى النظام عشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين عامًا، فلن يستطيع البقاء على ساق واحدة للأبد، بل سيظل يترنّح حتى يسقط.
مع العلم أنّي لم أتطرق في هذا المقال إلى ذكر مسألة رفع الأطراف الدولية والإقليمية دعمها للنظام الحالي، لأنّ التوازنات الدولية تتغيّر بين عشية وضحاها.