الوجه الخفي للجوء
يستعرض اللاجئون وأهلهم وأصدقاؤهم والصحافة والإعلام مخاطر اللجوء ومصاعبه الكبيرة والمخيفة، والتي قد تصل إلى درجة فقدان الحياة، يتماهى الجميع مع مشاعر الحزن عند تلفظ عبارة لاجئ، وفي غالبية الأماكن باتت عبارة اللاجئ توصيفاً لقاع عميق ومعتم قاهر.
لا تتشابه تجارب اللجوء أبداً، ولكل حالة وضع خاص وتوصيف خاص أيضا، حتى ملامح اللاجئين في مراكز اللجوء أو في مكاتب هيئات اللاجئين ومتابعة أمورهم الإدارية والصحية واللوجستية لم تعد واحدة أيضاً، ليس تبعاً لاختلاف الجنسية وحسب! بل استنادا إلى الحالة العامة للاجئ أو للصفة التي لجأ على أساسها، حتى إن الأمر يختلف وبصورة فارقة وعميقة بين من أتى وتمكن من إيجاد مكان لائق أو أن أحدا استضافه بضيق أو برضى لا فرق، وبين من تقطعت به السبل ويعيش في ظروف سيئة جدا شعارها القلق والترقب وملامحها فقدان الخصوصية والوفرة والراحة والأمان الشخصي والنفسي.
وإن كان للجوء وجوه عامة أو معممة على وجه الدقة، لكن ثمة وجوه خفية إيجابية وسلبية، ظاهرة علناً أو مخفية قصداً، لذلك لا يمكن لأي تقرير إعلامي أو أي خبر أو أية حكاية شخصية منشورة أو معلنة للاجئ أن تلم بكافة تفاصيل حكايات اللجوء.
يستضيف موفق منذ حوالي شهر عائلة مكونة من أربعة أفراد في منزله الضيق والذي بالكاد يكفي لمعيشة شخص واحد، لكن موفق لا يتأفف أبداً، يبدو أنه سعيد أيضاً، ليس بدافع العزلة أو الوحدة أبداً لأنه لا يعاني منها أبداً، خاصة أن ولديه موجودان في ذات المدينة، لكن كل منهما في منزله الخاص. يعتبر موفق أن الاستضافة فعل حضاري واجتماعي محبب وله فوائد كثيرة.
لا تتشابه تجارب اللجوء أبداً، ولكل حالة وضع خاص وتوصيف خاص أيضا، حتى ملامح اللاجئين في مراكز اللجوء أو في مكاتب هيئات اللاجئين ومتابعة أمورهم الإدارية والصحية واللوجستية لم تعد واحدة
حاولت أن أبرر سعادة موفق بهذه الاستضافة المرهقة ارتباطاً بجذوره الريفية التي ترتكز على العائلة الواسعة، وعلى أن استضافة الضيوف من قرية أخرى هو واجب اجتماعي محبب وله قيمة شخصية وعائلية عالية، لكن الحقيقة مختلفة كما أفصح حين قال: "إنها واجب ومصدر سعادة خاصة في وضع اللجوء والغربة الممتدة".
فرضت حالة اللجوء أشكالاً جديدة من التضامن، مساعدات للقدوم وتوجيهات باختيار البلد الأفضل أو المدينة الأفضل، وربما وسيلة النقل الأفضل، ومساعدات إرشادية بكيفية تقديم الطلبات تتخللها مساعدات مادية أحياناً، كما ترافقها متابعة حثيثة لتفاصيل اللجوء، وخاصة للاجئين الذين يعبرون البحار أو الغابات في ظروف خطرة وبعيدة تماماً عن متناول الأهل أو الأقارب المباشرين، ما يعيق قدرتهم على تقديم أي مساعدة لذويهم، وتبدو الاستضافة القصيرة أو الطويلة، التي قد تصل إلى حد المشاركة في السكن والحاجات الخاصة، وكأنها الحد الأقصى الذي لم يكن متوقعاً، أو على الأقل لا يشكل حالة عامة، لكنه واقع موجود يشمل أطرافاً جديدة ليست من أفراد العائلة الأصليين أو من الأصدقاء المقربين، كأن يستضيف أحدهم ولمدة تتجاوز شهرين ابن حارته الذي رآه صدفة في شوارع مدينته الجديدة التي يقيم فيها لاجئاً.
تتعدد أوجه التضامن، كأن تدعو لاجئة مقيمة لاجئة أخرى تعيش في مركز لجوء جماعي تعرفت عليها في دورة اللغة للاستحمام أو لغسل ملابسها ومتاعها، أو ربما لتحضير وجبة تخص اللاجئة غير المستقرة دعماً لاحتياجها بالخصوصية أو بتذوق طبق ما تفتقده في بلاد اللجوء الجديدة والغريبة.
مهما تنافرت العادات وتباعدت الحدود، لكن واقع اللجوء يفترض تضامناً فردياً غنياً بالعاطفة وسخيا بالرضا على المشاركة، وأي تفصيل يبدو مهماً ولو كان بسيطاً كما فعل سومر حين احتفظ في بيته بحقيبة صغيرة فيها مقتنيات مهمة وعزيزة وآلة موسيقية لشاب لاجئ لا يمتلك مسكنا وينام في خيمته الصغيرة.
للجوء وجوه خفية، فيها من الوحشة ما يكفي وفيها من التضامن ما ينبغي تعميمه وإعلانه فقط لإثبات أن الحياة حافلة بالعطاء دوماً.