الهجرة بين الأمل والتحديات

03 نوفمبر 2024
+ الخط -

كنت في جلسة مع بعض الأصدقاء، نتبادل أطراف الحديث عن الحياة اليوميّة والتحدّيات الحياتيّة الّتي نواجهها يوميّاً في لبنان، والّتي أصبحت تشكّل خطراً مباشراً على حياتنا في ظلّ العدوان الإسرائيلي المتواصل، رغم أنّني وهؤلاء الأشخاص نعيش في منطقة تُعتبر آمنة نسبيّاً حتّى الآن. عبّر بعض الأشخاص عن رغبتهم بالرّحيل والهجرة إلى مكان بعيد عن هذه المنطقة المليئة بالحروب والمشاكل الاقتصاديّة والأمنيّة والسّياسيّة، وأكّد البعض الآخر أنّ فكرة الرّحيل مرفوضة كلّياً لديهم وأنّه لا مكان آخر يعوّضهم عن الشعور بالدفء الموجود في الوطن. واحتدم النّقاش كثيراً إلى درجة أدهشتني وبقيَت الأفكار تتصارع في رأسي لعدّة أيّام أحاول فهم أسباب الخلاف الشّديد في وجهات النّظر حول هذا الموضوع القديم قدم التاريخ، والمتجدّد دائماً في بعض بلداننا العربيّة.

لماذا نرى بعض النّاس متمسّكين بالبقاء رغم الظّروف الصّعبة، بينما يعمل البعض الآخر كل ما في وسعه للرّحيل؟

مما لا شك فيه أن هنالك فئة من النّاس لم تتأثر أعمالها كثيراً بالظّروف الاقتصادية، واستطاعت أن تستعيد قوّتها وتنتعش من جديد خلال الأزمات، إمّا بسبب الأساس القوي والقديم لهذه الأعمال أو بسبب العلاقة المباشرة لها مع دول غربية أو دول الخليج. ولذلك تراها لا تجد أيّة أسباب قاهرة تحثّها على الرّحيل ما لم يصل خطر الحرب إلى محيطها الضّيّق.

وقد يكون لدى البعض ارتباط قوي بالمكان الّذي نشأوا فيه، فالوطن يمثّل لهم الأمان والذّكريات والعلاقات الاجتماعية الّتي يكون لها دور كبير في الدّعم المعنوي وحتّى المادّي في الظّروف الصّعبة، ولذلك يصعب عليهم التّخلّي عنها والانتقال إلى مكان آخر. وهناك من لديهم مسؤوليّات معينة تجاه عائلاتهم تلزمهم بالبقاء لتأمين الدّعم الّلازم، كالاعتناء بالأهل أو الأجداد إذا لم يتوفّر لديهم من يبقى بجانبهم.

مما لا شك فيه أن هنالك فئة من النّاس لم تتأثر أعمالها كثيراً بالظّروف الاقتصادية، واستطاعت ان تستعيد قوّتها وتنتعش من جديد خلال الأزمات

بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لدى البعض اعتقاد راسخ بأنّ الظّروف يمكن أن تتحسّن، وخاصّة إذا كانت فكرة الهجرة نفسها تُخيفهم، حيث يواجه الإنسان تحدّيات التكيّف في بيئة جديدة، مثل اللّغة والثّقافة والعمل، ممّا يدفعهم إلى تفضيل البقاء على مواجهة المجهول.

من ناحية أخرى، قد تكون هناك عوامل اقتصاديّة أو قانونيّة تجعل الهجرة غير متاحة أو غير مجدية لكثيرين، وهذا ما يدفعهم للبحث عن طرق للتّأقلم مع الوضع بدلاً من الرّحيل.

أما بالنّسبة لاستعداد البعض للرّحيل بالرّغم من محبّتهم لوطنهم، فيمكن تفسيره بمجموعة من العوامل الّتي تفوق رغبتهم في البقاء. فالحروب والصّراعات والاعتداءات المستمرّة في منطقة الشرق الأوسط، تُعَد المحرّك الرئيسي للهجرة والنّزوح الجماعي. هذه النّزاعات تؤدّي إلى تدمير البنية التّحتيّة، فقدان المنازل، وتعريض السّكان للخطر، ممّا يجبر الملايين على النزوح داخل دولهم أو اللجوء إلى دول أخرى بحثاً عن الأمان.

كما أنّ تفاقم الأوضاع الاقتصاديّة في العديد من هذه الدّول بسبب الحروب والسّياسات الماليّة والإداريّة الخاطئة المتّبعة من قبل الحكومات، وانخفاض قيمة العملات، كما حصل في سورية ولبنان، يمكن أن يؤدّي إلى تدهور مستوى المعيشة إلى مستوى لا يُحتمل، ليصبح البقاء مرادفًا للمعاناة المستمرّة، وتبدو الهجرة كوسيلة للنّجاة أو البحث عن بيئة آمنة ومستقرّة.

بالإضافة إلى أنّ بعض الناس يرحّبون بفكرة التّغيير والمغامرة لأنّ لديهم فضولا لاكتشاف ثقافات جديدة وتعلّم لغات مختلفة، أو حتّى بدء حياة جديدة تمامًا في بيئة مختلفة. في حين أنّ البعض يشعرون أن الإصلاح أو التّحسين في وطنهم مستحيل أو بعيد المنال، فيفقدون الأمل في التحسّن ويبدأون في التّفكير بأنّ الانتقال قد يكون الخيار الوحيد لتحقيق تقدّم شخصي أو مهني.

وأختم بالقول إن ظاهرة الهجرة تمثّل تحدّياً كبيراً للدّول والمجتمعات وتؤثّر بشكل دراماتيكي على حياة الأفراد سواء في الدّول المصدّرة أم في الدّول المستقبِلة، ولهذا وبرأيي الشّخصي، سوف يبقى الجدال قائماً بين راغب فيها ومُحجِم عنها ما لم يتغيّر الوضع القائم في هذه البقعة من الأرض.

رواد يعقوب
رواد يعقوب
رواد يعقوب: خريجة هندسة مدنية. ساعدتني خلفيتي العلمية في تطوير مهاراتي في الرسم التشكيلي والرقمي. أحب الكتابة باللغة العربية، وأدرّس اللغة العربية لغير الناطقين بها.