النسوية العربية الرقمية... قضية لا ترند
لا تزال نساء العالم العربي يكافحن من أجل نيل حقوقهن كاملةً والعمل على تحقيق تغيير في السلوكيات على صعيد المجتمعات العربية، ومع تطوّر الإعلام الجديد، أو ما يُطلق عليه الإعلام الرقمي، بما يُشكّل من منصات وتطبيقات للتواصل الاجتماعي، أتاح فرصاً للنساء العربيات للمشاركة بتجاربهن الخاصة في حياتهن، حيث تُظهر العديد من الدراسات والإحصائيات تزايد إقبال المرأة العربية على استخدام منصات التواصل الاجتماعي.
وتُشير بعض الأبحاث حول النساء المدونات أنهن يساعدن في توليد الأفكار والمعرفة ويتحدين المشكلات الاجتماعية، وأنّ هذه الوسائل التكنولوجية والشبكات الاجتماعية تحمل حرصاً عند النساء لتبادل الخبرات من دون حواجز مانعة وحُرّاس على المحتوى، ومع تطور خصائص هذه الشبكات وظهور العديد من الصفحات والمواقع والحسابات النسائية، بالتزامن مع الاستفادة من الخاصيّات والميزات داخل الشبكات، حيث أصبحت مصدراً مهماً لمناقشة قضايا المرأة.
وانطلاقاً من هذه الأهمية، توجّهت النساء العربيات والناشطات النسويات القائمات على المطالبة بحقوق المرأة، سواء التابعة لمنظمات نسوية رسمية أو جمعيات وتكتلات غير رسمية، هدفها نشر الفكر النسوي والدعوة لنصرة قضايا المرأة داخل مجتمعاتها، واستغلال المساحة الافتراضية لبناء وتكوين حركة ونشاط نسوي يضمن لهن حشد أكبر قدر ممكن من الأنصار لرفع لواء هذه الحركة بوسائل اتصال جديدة.
وبحسب التقرير العالمي لحقوق الإنسان، استطاعت النساء العربيات استغلال مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير الحر عما يواجهن من انتهاك لكرامتهن واستغلال لصمتهن كما في بعض القضايا مثل التحرّش الجنسي وحشد آلاف المناصرين لها، واستطاعت هذه المواقع التوغل في مجتمعات عربية عرفت بالقبلية المُغلقة.
لقد استغلّت المرأة العربية الفضاءات الرقمية فأوجدت لنفسها مساحة كبيرة للتعبير عن آرائها وانشغالاتها حول القضايا الأكثر اهتماماً لها، فاتخذت من وسائل الإعلام الجديد منصّة للتحدث عن مختلف هذه القضايا والأفكار والتوجّهات، والكشف عن الانتهاكات وأشكال العنف المُتعدّدة، حيث استفادت من منصّات (فيسبوك ، إنستغرام، تويتر، تيك توك...) ويوتيوب، إضافةً إلى المواقع الإلكترونية والمدونات وغيرها من الوسائل التي سمحت للمرأة بالتعبير عن آرائها ومناقشة قضاياها بجرأة ودون الخوف من المحاسبة.
من أهم نتائج النسوية العربية الرقمية لجهة كشف المُعنفين أو المجرمين والضغط لمحاسبتهم وقد تكرّر هذا الأمر في عدة دول عربية
وأسهم هذا الحضور الرقمي في تعزيز الوعي لمفهوم الحريّات والتحرّر والدفاع عن حقوق النساء وحرية الرأي والتعبير، فضلاً عن كشف العديد من الجرائم والانتهاكات بحق النساء ومشاركتها على منصّات التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت مجتمعات الأفكار المُتخلّفة تتستّر عليها وتقوم بطمس معالمها نتيجة الاعتبارات المجتمعية، الأمر الذي أحرج الجهات الرسمية في بعض الدول العربية ودفعها لمحاسبة المرتكبين، ويُعد هذا الأمر من أهم نتائج النسوية العربية الرقمية لجهة كشف المُعنفين أو المجرمين والضغط لمحاسبتهم، وقد تكرّر هذا الأمر في عدة دول عربية، وخلق ردعا لعدم التكرار عند الآخرين من جهة أخرى.
إن الحركة النسوية العربية الرقمية ليست ترند أو موضة كما يعمل البعض على تظهيرها، بل إن تمكين المرأة حاجة لبناء مجتمع يسير نحو الأفضل على قاعدة مساهمة كل أبنائه وتكريس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة دون أي استثناء ونزع الصورة التقليدية للمرأة من المتخيّل العربي.
كما واجهت الحركة النسوية العربية تحدّيات كبيرة وحملات تشويه ومحاولات إلغاء كذلك تعرّضت لأمور مشابهة في الميدان الرقمي، من خلال الحملات الإلكترونية التي عملت على تشويه قضية هذه الحركة تارةً تحت غطاء المعتقدات الدينية، وتارةً تحت عناوين مختلفة، أبرزها الأعراف والعادات الاجتماعية.
لذا ومن مبدأ الحضور الرقمي الفعّال على قاعدة الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي لدعم القضايا الإنسانية ونشر الحريات، يتوجّب علينا دعم النسوية الرقمية والمشاركة في حملاتها الرقمية، لما تشكّل من قضية مرتبطة بحقوق الإنسان، ونظراً للسعي في تحقيق العدالة الاجتماعية، خصوصاً في العالم العربي، حيث تُسيطر في بعض مجتمعاته أفكار رجعية تتعارض مع مبادئ الحرية والمساواة.