المساعدات الإنسانية للسوريين: آفة التسييس
عمدت الدول ذات المصالح المتضاربة في المشهد السوري إلى تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة تفاوض ومساومة فيما بينها، في مجمل القضايا الدولية الخلافية حول العالم، وآخرها الحرب الروسية الأوكرانية، مما زاد بطبيعة الحال من حدة تعقيدات المشهد السياسي السوري بصورة عامة، وتعطيل الأعمال المتعلقة بالجهود الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة وشركاؤها من المنظمات الإغاثية الدولية والسورية على حد سواء.
بدأت هذه الدول تسييس الملف الإنساني منذ وضعته على طاولة المفاوضات في جميع المسارات والجلسات الدولية التي عقدت في أستانة أو جنيف أو مجلس الأمن الدولي، فيما تم تجاهل المطلب الدائم للمعارضة السورية بأن يكون الملف الإنساني ملفاً "فوق تفاوضي" لا يخضع للتجاذبات السياسية، ولكن من دون جدوى.
وقد استخدمت روسيا وحدها حق النقض (الفيتو) 17 مرة ضد الشعب السوري في مجلس الأمن، عدة مرات منها لعرقلة آلية إدخال المساعدات الإنسانية، وتهدف من وراء ذلك إلى دعم نظام الأسد دولياً وإظهاره كحاكم شرعي معترف به من قبل المجتمع الدولي، ولكن قضايا الإرهاب واستهداف المدنيين والدمار الذي تسبب فيه تحول دون ذلك، ناهيك عن عدم ثقة السوريين بكل ما تقدمه روسيا من حلول تتعلق بمستقبل سورية.
كذلك يفعل نظام الأسد، إذ لطالما ساهم في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال سورية، كما كان يعيق وصول المساعدات إلى المناطق التي كان يحاصرها سابقاً، حيث يعتمد استراتيجية "معاقبة المدنيين" لإضعافهم بسبب مطالبتهم بالتغيير وبناء الدولة الديمقراطية وتأسيس نظام حكم سياسي بديل. وهكذا، تسيّست المساعدات الإنسانية واستخدمت كسلاح حرب بحكم الأمر الواقع.
أما المجتمع الدولي، فقد طور آليات إيصال وتوزيع المساعدات في سورية بين فترة زمنية وأخرى، فخلال الأعوام الأولى للثورة السورية؛ اعتمد على التنسيق شبه الكامل مع نظام الأسد والتفاوض معه من أجل تنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية في سورية
أما المجتمع الدولي، فقد طور آليات إيصال وتوزيع المساعدات في سورية بين فترة زمنية وأخرى. فخلال الأعوام الأولى للثورة السورية؛ اعتمد على التنسيق شبه الكامل مع نظام الأسد والتفاوض معه من أجل تنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية في سورية. ولكن النظام عمد إلى إضعاف آليات العمل وامتنع عن الموافقة على مرور المساعدات، وتحكم في وصولها وتوزيعها وكأنها جزء من الأعمال العسكرية، مما أدى لجعل عمليات الإغاثة رهينة إرهاب الدولة المنظّم ضد المدنيين.
إزاء هذه التعقيدات، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2139 في 22 فبراير/شباط 2014، مطالِباً بإيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق. ثم أصدر في نفس العام القرار 2165 والقرار 2191 التي أتاحت لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية تجاوز نظام الأسد والوصول عبر الحدود إلى المدنيين في كل المناطق التي كان الوصول إليها متعذراً.
لكن ذلك لم يُخرج المساعدات عن إطار التسييس بسبب الموقف الروسي الذي يدفع لإدخال المساعدات عن طريق النظام، مما ينتصر للقاتل على حساب المقتول، فالجميع يدرك ماهية النظام ووجوب محاسبته وفق القانون الدولي، لا تسليمه ملفات "إنسانية".
وفي حال تحقق الطرح الروسي سيتمكن نظام الأسد من التحكّم بالمساعدات من جديد، فيسمح أو يمنع وصولها حسب ما تمليه مصالحه السياسية والعسكرية، الأمر الذي سيحرم ملايين السوريين الضعفاء في مناطق الشمال السوري وإدلب من المساعدات.
يجب على المجتمع الدولي اليوم تقديم طرح مختلف للمساعدات الإنسانية في سورية يخرجها عن إطار استخدامها كسلاح حرب بين الأطراف والدول المتناحرة، فعجزه عن طرح آليات بديلة يزيد خيبة الأمل بتحقيق العدالة الدولية بالنسبة لعموم الشعب السوري، ويعرض حياة الملايين للخطر. بينما يمكنه وضع خطة استجابة إنسانية يتم بموجبها إدخال المساعدات الإنسانية إلى جميع المتضررين في سورية، ودون الحاجة إلى قرار من مجلس الأمن الذي تتحكم به روسيا.
وفي هذا الإطار تبدي منظمات المجتمع المدني السورية استعدادها الكامل للتعاون بكل الإمكانيات والموارد المتاحة لديها.