الكذب كركيزة في السياسة والحرب!
نُقل عن وزير الدعاية في النظام النازي، جوزيف غوبلز، قوله: "اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك الناس"، وقد ذهبت النازية وسقطت دعايتها منذ زمن، وعلى الرغم من كثافة المعلومات وسهولة الوصول إليها في هذا العصر، فإنّ الكثيرين (دولاً وأفراداً) يستخدمون الكذب من دون قيدٍ أو حدّ، وربّما شكّل ما نعاينه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل، من سيلٍ لأكاذيب الاحتلال وسياسييه وجيشه، نموذجًا صارخًا من أنّ الكذب قد تحوّل إلى ركيزة أساسيّة في السياسة، ومن ثمّ في الحرب. وعلى الرغم من كشف الكثير من المنصّات، ومن بينها "مسبار" عن أكاذيب الاحتلال وجيشه، لم تتوقف هذه الافتراءات.
يعلم أي مهتم بقضية فلسطين، بكمّ "الاختراعات" المؤسّسة لهذا الكيان، بدءاً من كذبة "أرض بلا شعب، لشعبٍ بلا أرض"، وأنها "أرض الميعاد"، وما رافق تأسيس الصهيونية، ومن ثم تأسيس دولة الاحتلال من استخدام موروث ديني وثقافي موهوم حاولوا من خلاله أن يسبغوا على وجودهم الاستعماري أحقيّة ما، ومن ثمّ استخدام رواية مضلّلة تناولت هذه البلاد وتاريخها ومعارفها، وإيهام العالم الغربي حينها بأنّ فلسطين ليست سوى أراضٍ بور، ولولا الفلاح اليهودي لبقيت كذلك أبد الدهر، مرورًا بكلّ الأضاليل التي أعلنها الاحتلال في حروبه مع العرب والفلسطينيين، وجرائمه المتلاحقة في الضفة الغربية والقدس وغزّة.
وبعيداً عن حجم هذا التزييف الذي شهدته العقود الماضية على امتداد خمسة وسبعين عاماً، فقد تابعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، إعادة استخدام الكذب بشكلٍ كبير منذ السابع من أكتوبر، فلم تترك دولة الاحتلال حيثية من هذا الحدث وما لحقه، إلا وملأتها بالأكاذيب الكثيرة، فمن قتل الأطفال الرضّع واغتصاب النساء، وصولاً إلى تحويل أسفل مستشفى الشفاء إلى مركز لقيادة المقاومة... ومع التعجّب الكبير من حجم اختلاق هذه الروايات لدى الاحتلال، فإنّ الأعجب منه تصديق العالم الغربي لها، واستمرار استخدامها حتى اللحظة، وكأنّ أدوات التثبّت والمصداقية والموضوعية تبخرت في غمضة عين أو أقل، وأصبحت كلمات الاحتلال فوق أيّ مساءلة أو تشكيك.
مع التعجّب الكبير من حجم الأكاذيب التي يروّجها الاحتلال، فإنّ الأعجب منه تصديق العالم الغربي لها
وقد أبهرتني قدرة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، على البهتان، وهو ليس الوحيد في هذا المضمار، ولكنه يحاول الإتيان بالجديد كلّ حين. فتارة يُعلن إيجاد كتاب عن تصنيع الأسلحة الكيميائية أصدرته "داعش"، مع المقاومين، وتارة أخرى يُظهر كتاب "كفاحي" لهتلر، ويدّعي أنّ قواته وجدته في غرفة طفلٍ في غزة، وكأنّه يريد أن يكون أكثر "اختلاقاً" من بنيامين نتنياهو في هذه المنافسة المحمومة عمن يُطلق أكاذيب أكثر وأكبر.
وفي سياق الحديث عن الكاذبين، أعجبني تشبيه البعض بسخرية سوداء، ما بين الشخصية الخيالية "بينوكيو" والناطق باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري، بأنّ الأوّل يكبر أنفه مع الكذب، أما الثاني فتكبر أذناه، وبعيداً عن السخرية في هذا المضمار، التي لا نراها فعلاً مناسباً وإن مع العدو، فإنّ المدعو هاغاري، أصبح أمثولة من كثرة ما أطلقه من أكاذيب، لدرجة وصف ما نشره من جولة أسفل مجمع الشفاء الطبي من قبل نشطاء بأنّه "عرض كوميديّ" سخيف، وقد شاهدت مقاطع لكثيرٍ من صنّاع المحتوى يسخرون منه، ومن المشاهد التي نشرتها حسابات جيش الاحتلال حول اكتشافاته المذهلة، وقد قالوا قديماً: "أجمل الشعر أكذبه" وربّما هنا "أكذب التصريحات، أضحكها".
في بلاد الشام ينتشر المثل القديم "الكذب ملح الرجال"، وربّما أخذه أعداؤنا بعد احتلالهم أرضنا، ووجدوا فيه ضالتهم، فقد عقدوا رايات كيانهم على الكذب، ويحيقون بمسجدنا الأقصى الشرور من طريق اختلاق الروايات المتهافتة المتضاربة، ويتابعون حربهم على غزّة بالأكاذيب، فهو ملحهم ومدادهم، في مقابل مقاومة صادقة محقة، تتوعّد فتطبّق، وتثخن في العدو، وتؤكد ما تقوله بالمشاهد البطولية، والمقاطع المجلجلة.