القانون الدولي... أزمة وجود أم أزمة تطبيق؟

القانون الدولي... أزمة وجود أم أزمة تطبيق؟

25 ابريل 2024
+ الخط -

مع بدايةِ القرنِ الواحد والعشرين، أصبح العالم يمرّ بأزمةٍ دوليةٍ كبيرة، تتجلّى في غيابِ قواعد القانون الدولي وظهور قواعد جديدة تضعها الدولة أو الدول المهيمنة. فالعلاقات الدولية ازدادت تشابكاً وتعقيداً، والقضايا الدولية الحسّاسة والمتنوّعة ما زالت تُنذر العالم باقترابِ حربٍ عالميةٍ من نوعٍ جديد. وإنّ قضايا الاقتصاد العالمي، والنفوذ، والسيطرة، تلقي بظلالها الثقيلة، ليس فقط على المحيط الدولي، وإنّما على المحيط الوطني لكلِّ دولةٍ. ويمكن تسمية هذه المرحلة الجديدة بالقانون الدولي الواقعي أو الفعلي.

وإذا كان القانون الدولي العام التقليدي قد قام بدورٍ كبيرٍ في تكوينِ وإرساءِ قواعد القانون التي تحكم العلاقات بين الدول والأشخاص القانونية، فإنّ القانون الدولي الحديث قد طرأت عليه تغيّرات جذرية، حيث إنّ تأمل واقع القواعد القانونية الدولية المعاصرة، ومقارنتها بما كان سائداً في ظلِّ القانون الدولي التقليدي، يُكشف لنا أنّ هناك انقلابًا ثورياً قد تم، وتحوّلاً جذرياً قد حصل للكثير من القواعد والمبادئ، الهدف منهما إقرار النظام في المجتمع الدولي ومعايشة التطوّرات الدولية الحديثة والتكنولوجيا والتقنية الحديثة، وأيضاً لمواجهة وحلِّ المشكلات الدولية لتحقيق التعاون بين الدول في الشؤون الاقتصادية، والصحية، والتعليمية، والاجتماعية، والمحافظة على السلم والأمن الدوليين، وكذلك مراقبة تطبيق حقوق الإنسان في مختلف الدول والالتزام بها وعدم الخروج عليها. 

كما بدأت تطفو على السطح مشكلة القوّة التنفيذية لهذا القانون، وهي إحدى الإشكالات المؤرقة للباحثين القانونيين، وإحدى أعوص التحدّيات التي تُواجه القانون الدولي. وفي خضم ذلك، يُطرح تساؤل جوهري حول مصير القانون الدولي أمام الانتهاكات المتتالية لقواعده التي وُضِعتْ، لا لتُنتهك، وإنّما لتُحترم وتُطبق.

لا يوجد مشرّع دولي يحتكر عملية سن القواعد القانونية الدولية الملزمة، خصوصًا أن الدول التي تُفترض مخاطبتها بتلك القوانين هي نفسها التي تضع تلك القوانين، وأمّا الدول التي لا ترضى بتلك القواعد، فلا تلزمها بشيء، وهي دائما تملك حق التحفظ، لذلك یرى البعض أنّ غیاب هذه السلطة حوّل العالم إلى مجتمعٍ فوضوي.

يتم استحضار القانون الدولي وقواعده كلّما تعرضت مصالح الغرب للخطر، ويتم استبعاده والنيل منه، واستصغاره، كلّما كانت مصالح الغرب بعيدة عن التأثر

ويبدو واضحاً أنّ الهيمنة الأميركية على الأمم المتحدة أصبحت تُشكّل عائقاً أمام شرعية القرارات الصادرة عن هذه المنظمة، والسبب هو أنّ الولايات المتحدة عندما تريد إصدارَ قرارٍ معيّن من الأمم المتحدة لا يحظى بقبول دولي، فإنّها تقوم بممارسةِ ضغوطٍ واسعةٍ في شتى المجالات السياسية والاقتصادية على الدول التي لا تؤيّد الولايات المتحدة في موقفها، وقد تضطر العديد من هذه الدول إلى تغيير مواقفها تحت وطأةِ الضغوط الأميركية، ما يؤدّي إلى إصدارِ القرارات من دون قناعة تامّة لدى الدول الأعضاء، ما يشكّل تشكيكاً في شرعيةِ القرارات الصادرة في نهاية المطاف.

إنّ الإدارات الأميركية المتعاقبة تعمل على تفعيل وتهميش وإقصاء المنظمة الدولية لصـالح استراتيجيتها العالمية، والأكثر من ذلك، تقوم بتهميشِ القرار الدولي لحساب القرار الأميركي على اعتبار أنّ القيم الأميركية هي قيم عالمية بحدِّ ذاتها. وهذا هو منطق الهيمنة العالمية، وهو ما بدا واضحًا في ممارسة الفيتو الأميركي ضدَّ مشروع قرار عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مؤخرًا، وهو في واقع الأمر "حق إجهاض" للقرار، وليس مجرّد اعتراض، إذ يكفي اعتراض أيّ من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ليجرى رفض القرار وعدم تمريره نهائياً، حتى وإن كان مقبولاً للدول الأخرى.

احتقار الغرب عمومًا، والولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، للقانون الدولي، يؤثّر على مصداقيةِ الغرب ويُكشف نفاقه وتعامله بازدواجية المعايير، وسياسة الكيل بمكيالين تجاه الازمات الدولية، حيث يُستحضر القانون الدولي، وقواعده، كلّما تعرّضت مصالح الغرب للخطر (حالة النزاع الروسي الأوكراني)، ويجرى استبعاده، والنيل منه، واستصغاره، كلّما كانت مصالح الغرب بعيدة عن التأثر (فلسطين مثلا).  

لذلك تنبغي إعادة الثقة بمجموعةٍ من الأمور في نهاية المطاف، وهي إصلاح الأمم المتحدة، وخاصة جهاز مجلس الأمن الدولي بما يحقّق الفاعلية في تحقيق السلم والأمن الدوليين على قدمِ المساواة، وتنفيذ الدول التزاماتها الدولية بحسن نيّة، والتخلّي عن سياسةِ الكيل بمكيالين في توقيع  العقوبات الدولية، خصوصًا ضد الدول الضعيفة.

بوبوش
محمد بوبوش
أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بجامعة محمد الأول بوجدة في المغرب.

مدونات أخرى