العميد ودرس الكوفية الفلسطينية
إنّ الضجة التي رافقت رفض عميد كلية العلوم بن مسيك في الدار البيضاء منح جائزة لطالبةٍ متفوقةٍ في حفل التميّز الذي نظمته المدرسة الوطنية للتكنولوجيا، بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية، موضوع تجاوز الأخلاق والمبادئ إلى الإنسانية والضمير.
تصاعدت الآراء حول تصرّف مسؤول يتقّلد مسؤولية في مؤسّسة عمومية، أعلن عن إخفاقه وسقوطه في 30 ثانية خلال تعامله مع موقفٍ كان يُفترض أن يكون بسيطًا. كان الموقف عادياً غير معقد، وكان عليه النظر في جوهرِ الوضعية برمتها، والتي هي تتويج طالبة متفوّقة وعدم الالتفات لموضوع الكوفية الفلسطينية حفاظاً على بروفايله ووضعيته الاعتبارية، والحكمة التي تفترضها مهمته تربوياً وأستاذاً جامعياً ومسيّراً وعميداً، لكنه سقط في المحظور وضرب عرض الحائط بتجربته في التدريس وفي تقلّده المسؤوليات، وتعامل مع ارتداء الطالبة الكوفية كأنّه "جريمة".
الغريب أنّ العميد تصفّح الكوفية الفلسطينية ولم يصافح الطالبة، هي عملية سيكو/سوسيولوجية لتزكية العبث الذي أصبحَ مُستشرياً. فهل هو خوف أم موقف مُسبق أم أيديولوجية أم شيء آخر لا يعلمه إلا العميد؟ أخفق العميد، وسقط في نصف دقيقة، لتصدّر نقابة أساتذة التعليم العالي بلاغًا بلغةٍ أشدَّ قسوةٍ من تصرّفه حيث وصفته بـ"الأرعن".
هل سيخرج العميد عن صمته للدفاع عن نفسه وموقفه تجاه الكوفية لتقديم تبريرات لِما لا يبرّر قانوناً وأخلاقياً؟ وكيف سينقذ ماء وجه؟
كان حريّاً بالمسؤول المعني أن ينأى بنفسه عن هذا التصرّف اللامسؤول، في الوقت الذي أصبحت فيه الكوفية رمزاً للدفاع عن قضيّة إنسانية ورمزاً للتحرّر والحرية، وانتشرت عبر العالم، بعد أن انتفض طلاب الجامعات الأميركية وغيرها ضدّ المجازر التي تُرتكب في فلسطين وكان الرابط بينها الكوفية بكلّ ما ترمز إليه من مظلوميّة شعب.
طالما كانت الجامعة فضاءً للدفاع عن القيم الإنسانية الكونية، كالحق في الحياة والعيش الكريم، ورفض التطهير العرقي
إنّ تصرّف العميد لا يعدو أن يكون موقفًا شخصيًا، ولا فائدة منه، في ظلّ مواقف رسمية للمغرب تُدين استمرار الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، وتستنكر القتل والتهجير القسري لشعبٍ يقاوم دفاعاً عن أرضه، كما يعبّر الشعب المغربي عن مواقفه الثابتة الداعمة للفلسطينيين من خلال المسيرات الشعبية التي شهدها عدد من مدن المملكة. ونصرةُ الشعب المغربي للقضيّة الفلسطينية ليست وليدة اليوم، فللمغاربة مواقف تاريخية مشهودة.
هكذا تقول صفحات التاريخ، وكيف وقف المغاربة إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين من خلال كلّ الأشكال التضامنية، ولعلّ باب المغاربة وحارة المغاربة في القدس الشريف خير دليل، وأفضل مؤرخ لما فعله أجدادنا في الدفاع عن فلسطين.
مباشرة بعد انتشار الفيديو الذي يوثّق واقعة الكوفية، سارع أساتذة جامعيون إلى نشر صورٍ لهم أثناء المحاضرات أو مناقشة أطاريح الدكتوراه مرتدين الكوفية تعبيراً عن رفض هذا السلوك، ولتأكيد أنّ الجامعة كانت دائمًا فضاءً للدفاع عن القيم الإنسانية الكونية، كالحق في الحياة والعيش الكريم ورفض التطهير العرقي.
إنّ الهرولة نحو التطبيع الشعبي مع الاحتلال الإسرائيلي مجرّد اجتهادات شخصية، والتي تكون أحيانًا مُدثّرة بالأيديولوجية، وأحيانًا أخرى نفسيةً، فيما الموقف الرسمي رسم بشكلٍ صريح حدود التطبيع وسقفه، وأنّه لن يكون أبدًا على حساب القضية الفلسطينية، التي وضعها في مرتبة قضيّة الوحدة الترابية للمغرب.
كما تأتي هذه الواقعة تزامنًا مع زيارة شباب مغاربة إلى إسرائيل، وهو الحدث الذي بدوره خلّف استنكارًا مجتمعيًا واسعًا، بدعوى أنّ هذه الزيارة استفزاز للمغاربة، ودعم صريح للتقتيل والتهجير والإبادة الجماعية، وهو ما يفسّر الرفض الشعبي لأي خطوة نحو هذا الكيان.
قد يتفهّم بعض المغاربة موقف الدولة من التطبيع، في سياقٍ دولي صعب تحكمه المصالح، فالعلاقات الدولية تُبنى بشكلٍ أساسي على المصالح والبراغماتية، وتتغيّر بتغيّر هذه المصلحة وتغيّر موازين القوى الدولية، الأمر الذي يفسّر أحياناً انقلاب بعض الدول على مواقفها السابقة، لكن لا يمكن تفسير هذه الهرولة الشعبية أحيانًا نحو كيانٍ عنصريٍ لا يفهم غير لغة التهجير والقتل وتشريد ملايين الفلسطينيين.