الشعب المغربي... سعيد أم "متشائل"؟

29 مارس 2023
+ الخط -

يحتل المغرب المرتبة 100 دولياً، حسب مؤشر السعادة العالمي لسنة 2023. هذا خبر مفرح! تصدّر عناوين الصحف والجرائد الإلكترونية، فمن بين 150 دولة، احتل المغرب المرتبة الثانية على مستوى دول شمال أفريقيا بعد الجزائر التي جاءت في المرتبة 81، رغم أنّ المغرب لا يمتلك وزارة أو حقيبة لهذه المهمة التي تشرف عليها الأمم المتحدة وتصدر حولها تقريراً سنوياً وفق معايير محدّدة.

وبالرغم من أنّ الدولة، وكلّ مؤسسات المجتمع المدني، تتشاءم من مثل هذه التقارير، وآخرها التقرير الأخير للبرلمان الأوروبي الذي انتقد وضع حقوق الإنسان في البلاد مثل غياب المحاكمات العادلة بخصوص حرية الرأي السياسي والصحافي، ما سبّب رفضاً حكومياً سياسياً وإعلامياً، معتبرين أنه تدخل في الشأن الداخلي للمغرب. مع أنّ هذا التقرير، جاء في سياق اتفاقية موقعة مع الاتحاد الأوروبي تنص مادتها الرابعة، على أنه مقابل تلقي المغرب إعانات مادية، يحق للطرف الأول إبداء ملاحظات في تدبير الشأن المحلي، خاصة في شقها المرتبط بحقوق الإنسان.

بالعودة إلى تقرير السعادة الأممي، نتساءل: ما الفائدة من مثل هذا التقرير الذي خرج من نكهة كتب التاريخ والفلسفة، حين كان يترنح بين معيار عقلي تجريدي وعملي حسي وأخلاقي مثالي أو ديني، إلى الحياة العملية والسياسية الاجتماعية والتطبيقية؟

للجواب عن هذا التساؤل، لا بد لنا من الوقوف على بعض معايير هذا المؤشر، ومدى حضورها في حالة المغرب حقاً.

أولاً، معيار نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، ففي الحالة المغربية لا يتجاوز نصيب الفرد سنوياً ثلاثة آلاف دولار، تتفرق بين الإنفاق على الدواء الذي لا يتخطّى الخمسمئة درهم أي خمسون دولاراً سنوياً، ثم المتواليات الأخرى كأزمة السكن وغلاء المعيشة، وارتفاع أثمنة الخضر واللحم والدجاج. وكذا ثمن المحروقات، إضافة إلى الأسرة الكبيرة ذات المعيل الوحيد، فضلاً عن الديون المتراكمة لصالح البنوك ومؤسسات القروض التي تدّعي المنافسة في حين تفرض نفس النسبة والأرباح، وإذا وجد فرق فهو في الفاصلة فقط!

يحضر الفساد بقوة في كلّ سياسات الحكومات المتعاقبة على رئاسة الدولة

ثانياً، معيار متوسط العمر الذي لا يتجاوز في متوسطه ما بين 76 و77 سنة، إذ إنّ الدولة في حوارها الاجتماعي مع النقابات العمالية تفكر في زيادة سن التقاعد من ثلاث وستين إلى خمس وستين، تيمناً بفرنسا التي نجحت في هذا القرار! هذا عن الموظف الذي لم يتمتع بتقاعده الزهيد، أما العاطلون عن العمل وأرباب المهن الحرة، فلا حلّ في الأفق القريب.

ثالثاً، معيار الحرية الغائبة كلياً، فحسب تقرير البرلمان الأوروبي أولاً، وتقرير الخارجية الأميركية لاحقاً، فإنّ الوضع الحقوقي كارثي نتيجة القمع الأمني والمحاكمات غير العادلة وعدد معتقلي الرأي والاعتقال الاحتياطي الذي يفوق أربعين في المائة من نسبة المساجين.

رابعاً، معيار سخاء الدولة على مواطنيها، وهذا المؤشر يتأثر بسبب ضعف الدخل وغلاء المعيشة وتزايد البطالة والهشاشة والفقر، ما ينجم عنه تراجع إسهام المواطنين في التبرّع للجمعيات الخيرية، وبالتالي تحجيم دور المجتمع المدني أمام غياب مشاريع تنموية واستثمارية نافعة تنعكس إيجاباً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للشعب المغربي.

خامساً، معيار الدعم الاجتماعي، حيث يعاني قطاع الصحة من قلّة التجهيزات والأطر الطبية وانتشار الخصخصة، وتكلفة مصاريفه المرتفعة مقارنة بدخل جيب المواطن، والانتقال السريع من نظام رعاية اجتماعي (الرميد) إلى التغطية الصحية الإجبارية...، بينما قطاع التعليم ينخره فساد كلّ سياسات الإصلاحات التي كلفت المليارات، وآخرها فرض التوظيف بالتعاقد. أما السياسة المالية، فتشهد ارتفاعاً ضريباً على الدخل والاستثمار والسلع والاستيراد والسكن.

سادساً، معيار غياب الفساد في الحكومات أو الأعمال، هذا المؤشر للأسف تحذف فيه كلمة غياب، إذ يحضر الفساد بقوة في كلّ سياسات الحكومات المتعاقبة على رئاسة الدولة، من مخططات إصلاح التعليم ومخطط المغرب الأخضر الفلاحي إلى إكراميات الريع والمحروقات والصفقات الطبية والسياحة، والرشوة في الإدارات.

طبعاً هذه المؤشرات الأممية ليست مقدسة أو لا تجانب الصواب عادة، أو أنّ الأعين التي رصدتها محايدة، بل تبقى أسئلة يجب استثمارها بشكل إيجابي ونقدي مفيد، بعيداً عن المزيدات والمهاترات الإيديولوجية التي لن تقدّم شيئا للبلاد، فالحل يبقى جذرياً، ويجب أن يتمثل في محاربة كل أشكال الفساد التي تنخر كافة المجالات الحيوية التي تلتقي فيها الدولة مع المجتمع.

ماء العينين
ماء العينين
ماء العينين سيدي بويه
أستاذ الفلسفة في التعليم الثانوي التأهيلي في المغرب، حاصل على الإجازة في الفلسفة العامة، وكاتب مقالات وتحليلات سياسية وقراءات في التاريخ المغربي والإسلامي. يعرّف عن نفسه، بالقول: "باحث عن المعرفة النقدية و مدافع عن حقوق الإنسان ومهتم بشؤون المجتمع العربي والإسلامي".
ماء العينين سيدي بويه

مدونات أخرى