الزلزال... حدود قريبة وعقليات بعيدة!

11 فبراير 2023
+ الخط -

زلزال مدّمر ضرب الدولتين الجارتين تركيا وسورية، ليخلّف العديد من الخسائر المادية والبشرية التي قُدرت بالآلاف من الضحايا والجرحى، بالإضافة إلى انقطاع بعض الخدمات بسبب الأضرار البالغة للبنية التحتية في كلتا الدولتين، وتمركزت بؤرة الزلزال في جنوب تركيا وشمال سورية، لتوّحد هموم الشعبين في هذه المناطق، فاليوم لا حرب ولا عدو، بل كارثة طبيعية لا تفرّق بين قومية وأخرى.

وكانت أكثر المدن التركية تضرّراً بهذا الزلزال مدن كهرمان مرعش وغازي عنتاب وهاتاي وديار بكر وأضنة وشانلي أورفا وكيليس وعثمانية. أما على الجانب السوري، فقد تأثرت مدن إدلب وحلب واللاذقية، حيث أسهمت الهزّات الارتدادية المتتالية في الانتشار الواسع لآثار هذا الزلزل المدمّر.

ولكن المأساة الكبرى ليست هنا فقط، بل أيضاً في الاختلاف الكبير في التعامل مع هذا الزلزال من قبل حكومتي الدولتين الجارتين تركيا وسورية، حيث سخّرت الحكومة التركية كلّ أجهزة الدولة، بما فيها من أمن وعسكر وقوات إغاثة وكوماندوس وآليات عسكرية وطيارات مسيّرة للتعامل مع هذه الكارثة، بالإضافة إلى  جميع المؤسسات التركية الخيرية من هلال أحمر تركي وجمعية الكوراث الطبيعية في تركيا، وخصّصت الحكومة التركية مبدئياً حوالي خمسة مليارات دولار لدعم الضحايا والتخفيف من حدّة الآثار الكارثية لهذا الزلزال.

ومنذ اليوم الأول، شاهدنا زيارات الشخصيات السياسية التركية إلى كلّ المدن المنكوبة من رؤساء أحزاب ورؤساء بلديات ووزراء أيضا، مثل وزير الداخلية سليمان صويلو، الذي زار كهرمان مرعش، ووزير التعليم محمود أوزر، الذي زار ملاطية، ووزير الشباب والرياضة محمد أوغلو، الذي زار عثمانية، ووزير الغابات وحيد كيريشتي، الذي زار مدينة أضنة، ووزير المواصلات والبنى التحية الذي تفقد مدينة أدي يامان، ووزير الصحة ووزير الدفاع التركي اللذين انتقلا إلى مدينة هاتاي.

بعد خمس أيام من الفاجعة، شاهدنا رئيس النظام السوري يزور أحد المواقع المنكوبة والضحكة لا تفارق وجهه

بالإضافة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي ألقى كلمة رسمية بخصوص هذه الكارثة، ومن ثم  زار شخصياً المناطق المنكوبة، وتفقّد أوضاع الناس وتكلّم مع الضحايا الصغار والكبار واستمع لهمومهم ومشاكلهم، وتبادل أطراف الحديث مع عدد من الهيئات والشخصيات الرسمية. وخلال زيارته، أعلن الرئيس التركي أنّ "الحكومة بجانب الشعب، وستعمل كلّ ما في وسعها لتخفيف الأضرار"، ووعد الضحايا أنه خلال سنة واحدة، ستقوم الدولة بتعويض المواطنين وبناء منازل جديدة حديثة، وأفضل من القديمة، ليتم تسليمها لأصحابها.

هذه الكارثة، أثبتت للجميع أنّ النظام في دمشق غير قابل للتأهيل

في المقابل، لم نر زيارات رسمية لأي شخصية معتبرة في حكومة النظام السوري إلى المناطق المنكوبة، ولم تُخصّص أجهزة ودوائر الدولة لخدمة المواطنين، وعندما أحسّ الشعب السوري بهذه الحقيقة المرّة، قرّر أن يجمع تبرعات بنفسه لمساعدة إخوانه السوريين المتضرّرين من هذه الكارثة البيئية، إضافة إلى بعض المساعدات من بعض الدول. وللأسف، كان لهم أتباع النظام بالمرصاد مرّة أخرى، حيث تمّ بيع المساعدات والتبرعات في السوق السوداء التي يسيطر عليها أتباع النظام السوري.

وبعد خمسة أيام من الفاجعة، شاهدنا رئيس النظام السوري يزور أحد المواقع المنكوبة، وكأنه ذاهب إلى حفلة أو دار للسينما. وأعتقد أنه لم يكن ليقوم بهذه الزيارة لولا الزيارات المتتالية للسياسيين الأتراك، التي أحرجت النظام السوري أمام الإعلام المحلي والعالمي.

أعتقد أنّ هذه الكارثة أثبتت للجميع أنّ النظام في دمشق غير قابل للتأهيل، وأنّ عمليات تطبيع بعض الدول مع هذا النظام غير مجدية وغير عقلانية، ويجب التراجع عن هذه الخطوات، إن أرادت حلاً جذرياً للملف السوري.

علي أسمر
علي أسمر
صحافي وإعلامي تركي. عمل كمنتج ومنسق مع عدد من القنوات الدولية، بدأ عمله كمنسق أخبار ويعمل الآن مشرف غرفة الأخبار في وكالة NEW TR News Agency.