الحقيقة الصادمة
قد يبدو أن ما سيقال صادم جداً، وهل يكفي أنه حقيقي لنمتص الصدمات الناجمة عن سماعه؟ قبل رأس السنة بيومين جلست سمر مع صديقاتها، كانت جلسة نسائية بين الصديقات وتمهيدية لاستقبال العام الجديد بأفضل حالة ممكنة من السعادة أو على الأقل من التقبّل.
فرض السؤال عن الأمنيات القادمة بال الجميع ووقتهن، لكن إجابة سمر قلبت الطاولة على التوقعات كافة! قالت وببساطة متناهية: إنها ومع قدوم العام الجديد تتمنى أن تختبر مشاعر الأرملة! يعني بصريح العبارة أن يموت زوجها وتصبح أرملة!
انتابت الجميع نوبة عارمة من الضحك ما لبثت أن هدأت واعتلى الصمت والوجوم ملامح الجميع. قالت رشا: "إن سمر جريئة جداً لكن رغبتها مشروعة! لم تعاتب أي من الصديقات سحر على إجابتها"، لكن تلك الإجابة شرعت الأبواب لأحاديث صريحة جداً وعميقة ولم تعتد الصديقات التطرق لها من قبل أبداً. ويبدو سبب عدم المعاتبة أن البعض قد يضمرن الرغبة نفسها لكن بصمت مطبق، وربما يحتمل التوصيف إلصاق صفة التحايل لدى البعض رغبة بإخفاء خفايا الرغبات الحقيقية.
تعيش غالبية النساء المتزوجات ازدواجية في مواقفهن من الزواج وتحديداً من الزوج، وترفض الغالبية العظمى من الزوجات كما يفضّل المجتمع بغالبيته عدم التعرض إلى تجربة الطلاق، لأنها خسارة موجعة للنساء وللعائلة برمتها، خاصة في حال وجود أطفال صغار، وفي حال عدم توفر عائد مادي للزوجات يضمن قدرتهن على العيش دون الحاجة لإنفاق الرجل والسكن في منزله، وهنا تبدو قضية تأمين المسكن بصفته المؤلمة كمأوى هي السبب الأقوى في عدم اللجوء إلى خيار الطلاق، لأن التشرد سيكون نتيجة حتمية للزوجة وأبنائها معاً.
لا تكمن الحقائق الصادمة في محتواها فقط! بل بتوقيت وشكل وأسباب الإفصاح عنها
شخصياً، لقد وجدت إجابة سمر قاسية جداً، لكنها واقعية جداً أيضاً، وإن كان بوسع الرجال تعدد الزوجات والتعويض نسبياً حسب مزاعمهم عن العيش مع زوجات لا يطيقونهن! فإن النساء فاقدات حتى لخيارات اشتراط تأمين مسكن مستقل للزوجة وأطفالها عند الطلاق، وربما عند زواج الرجل بزوجة ثانية أو أكثر، فالوقائع المؤلمة تشير إلى حالات كثيرة يهجر الرجل فيها زوجته وأسرته، وينصرف للعيش في بيت آخر مع الزوجة الجديدة، دون تحمل أي مسؤولية إنفاق تجاه عائلته الأولى وربما الثانية.
ثمة تفضيل في المجتمع للمرأة الأرملة على المرأة المطلقة، غالبية الأشخاص وحتى المحامون ورجال الدين يحمّلون الزوجات أسباب الطلاق وحدها، لذلك غالبا ما تحرم المطلقات من التعاطف معهن، ويضطررن لقلع أشواك الحياة وحيدات وضعيفات.
في الجلسة ذاتها، روت بسمة لصديقاتها أنها وبعد وفاة زوجها شعرت بخوف عميق، وخاصة من الوحدة، لأنها لم تنجب أطفالاً، لكنها بعد وقت قصير وخلال أقل من سنة تقدم لها بعض الرجال الراغبين في الزواج إما لوفاة زوجاتهم، أو بعد طلاقهم، أو كزوجة ثانية، وكان التفضيل لاختيارها عائداً لكونها وحيدة وبلا أطفال، مما سيخفف من عبء إعالة أطفالها من قبل الزوج الجديد، لكن التفضيل الأكثر أهمية يكمن في أن غالبية أفراد المجتمع يمنحون درجة عالية من التقييم الأخلاقي للأرملة تحت مبرر أن الله قد توفى الزوج! وبالتالي لا ذنب لزوجته التي كانت وما زالت على درجة عالية من الالتزام به وهو على قيد الحياة وبذكره وهو بين الأموات.
عندما تقسو الحياة المشتركة على الشركاء، وتنغلق أبواب التفاهم أو الانفصال بطريقة عادلة ومنصفة لكلا الطرفين وللأطفال، ويتضافر القانون والأعراف والنظرة المجتمعية التمييزية، فإن الرغبات القاسية وربما تكون ظالمة وعدائية، ستأخذ حيزاً واسعاً من التفكير ومن الرغبة المضمرة والتي قد تنفلت ذات يوم بدافع من الرغبة بالخلاص من العجز الصامت، ومن انسداد أفق العيش بصورة كريمة للأطراف كافة.
لا تكمن الحقائق الصادمة في محتواها فقط! بل بتوقيت وشكل وأسباب الإفصاح عنها.