الجيل الحالي وغزوات "الكيبوب" المقدسة
يوم بعد آخر أزداد يقيناً بأن هذا العالم العربي/الإسلامي لن يخطو خطوة واحدة للأمام، وأتأكد كل يوم بأن القادم أسوأ مما ذهب، والمستقبل الذي يحاول البعض بناءه ويرفعون سقف طموحاتهم حتى تلامس السحاب؛ هذا المستقبل مجرد سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.
ليست دعوة للتشاؤم -مع أني متشائم- لكنه السيناريو الذي يبدو لي أقرب لواقع الأحداث، إنه نتاج عمليات حسابية جد معقدة استمرت لسنوات طوال، فهذا الذي يكتب الآن ظل لسنوات طوال يبث الأمل ويحلم بتغيير المجتمع -على الأقل المغربي-، ويتوقع أن يحدث ذلك مع كل أزمة تمر بها البلاد وتثبت ضرورة التغيير؛ ومع كل مصيبة يشهدها العالم وتنادي الكل بضرورة التغيير، لكن لم يحدث أي تغيير، بل قل لم يحدث تغيير للأفضل، فالتغيير قد حدث فعلا ولكن للأسوأ!
قبل مدة قام أحد اليوتوبرز السعوديين بتنزيل مقطع جديد له يتحدث فيه عن موضوع جد حساس، موضوع أتابعه باهتمام مذ مدة، ألا وهو تصاعد هوس الإعجاب بالفرق الموسيقية الكورية.
وفي معرض حديثه عن هؤلاء المعجبين، عرض تعليقاتهم على مقاطعه والصور التي يسخر فيها من هذه الفرق الموسيقية وأعضائها الذين لا يمكن أن تميز بينهم وبين الإناث، فشعرهن -عفوا شعرهم- ملون بألوان قوس قزح، ولباسهم ضيق للغاية، حتى لا يكاد يظهر أعضاءهم الحميمية، وحركاتهم غريبة عجيبة، فهم يلتوون ويلتصقون ببعضهم البعض، في منظر مقزز يستحي منه الآدمي وتعفه الدواب، ومع ذلك!
خرج الأمر عن السيطرة، ولم يعد بوسع الآباء التدخل لثني أبنائهم عن الاستماع لهذه الموسيقى والانجرار وراء دعاوى الافتتان بالغرب واتباع ثقافته الممسوخة
مع ذلك تجد أن هاته الفرق لها معجبون كثر، وللأسف الشديد من العالم (العربي- الإسلامي)، ومعجبوهم ليسوا كأي معجبين، إنما هم كما يسمون أنفسهم "جنود" أو "أرمي". نعم إنهم جند مجندة للدفاع عن ألوية الكيبوب، إنهم جند الميمنة والميسرة في حرب وسائل التواصل الاجتماعي، وهم فداء لـ"كيم يون سان يو" أو "ساكالولو" وغيرهم من الأشخاص ذوي الأسماء الغريبة.
إنها جيوش الكيبوب تغزو العالم الافتراضي، وتشن هجمات منظمة على مواقع الأعداء، وأرجو ألا يقرؤوا مقالي هذا، فمن هذا الذي يسلم من شر الجيش الكيبوبي؟ إنهم في كل مكان، وهم مستعدون للتحرك في كل الأقاليم، وهم على أهبة الاستعداد للتوغل في كل قنوات يوتيوب وصفحات ومجموعات فيسبوك، ولم لا المدونات العربية أيضا؟ إن هي هاجمت الفرق الموسيقية الكورية، وقالت عن أعضائه إنهم يشبهون الإناث، أو حذرت الناس من هذه الموسيقى، ونصحت الآباء بمراقبة أبنائهم وعدم السماح لهم بمشاهدة تلك الفرق وأغانيها الماجنة التي قد تهدم ما سهر الآباء في بنائه وإعماره السنين الطويلة.
الجهاد في سبيل سَكالولو، هو جهاد الأكبر لدى محبي الفرق الكورية، والغاية هل هي الجنة؛ لا ندري بعد ربما للكيبوب جنة خاصة بهم يرسل إليها جهاد الكيبوب الذين قضوا نحبهم في إحدى معارك يوتيوب أو ماتوا في سهرة من سهراتهم أو فاجأهم الموت وهم يشاهدون مقاطعه على الإنترنت. ومن يعلم.
بعض هؤلاء المحبين قلبها مشيخة، فهو يدعو الناس للتوبة والرجوع عن السخرية من الكيبوب، والتذكير بحب الكيبوب له، والوعد بغفران كل ما سلف من أمره، لكن بشرط أن يتوب توبة نصوحة لوجه سَكالولو.
قد يبدو الأمر مضحكاً، لا أخفي عليكم أني لم أعد أضحك وإن حاولت السخرية من مثل هاته الظواهر، بل إني لأحزن حزنا يعلمه الله، وأشعر بالشفقة على أطفالنا الذين تاهوا في عاصفة الإنترنت، وضلوا طريق الخروج في متاهة وسائل التواصل الاجتماعي فلا خيط تريستان ينقذهم.
لقد قضي الأمر، خرج الأمر عن السيطرة، ولم يعد بوسع الآباء التدخل لثني أبنائهم عن الاستماع لهذه الموسيقى والانجرار وراء دعاوى الافتتان بالغرب واتباع ثقافته الممسوخة. ولو أن الغربيين أنفسهم قد أعلنوا حالة النفير القصوى بعدما انقلبت عليهم الحداثة ومخرجاتها.
المحزن أكثر أن هؤلاء الأطفال لا يحبون الناصحين ولا يرغبون في اتباع كلام من هم أكبر منهم سنا، والأدهى أنهم لا يرون فيما يقومون به أمراً غير أخلاقيٍ بل يعتبرونه حرية شخصية، وليس هناك من داء أصاب هذا العالم هو أسوأ من الحرية الشخصية.
كيف يمكن لأي مسلم أو عربي كيفما كانت ديانته، أن يحلم بمستقبل مزهر وهو يرى أمامه هذه الظواهر التي يبدو أنها في المهد ولم تكبر بعد؟ هل يعقل أن يصبح الغد أجمل وبناته يرقصن على تيك توك؟ هل سيتيحن الوضع وبنات العالم العربي يبكين لأن شَعر المغني الكوري سكالولو جميل، ويغمى عليهن لأن جين جون جان نظر في اتجاههن -وهذا لم يحدث حتى مع من رأوا الرسل والأنبياء-؟
يا من ترجو مستقبلا في وطن حكامه يتعالجون في الخارج وسكانه لا يجدون ماء يشربونه، وأطفاله يجاهدون في سبيل سَكالولو، ألا تفعل، ألا تعود لرشدك؟! كن كإياي، الآن سأدعوك بعدما شرحت لك الوضع، كن متشائما، آنذاك ستتقبل الأمر؛ أما إن بقيت كما أنت فلا أضمن سلامة عقلك مما هو قادم. إن التغيير قادم، هذا لا شك فيه، ولكن للأسوأ.
نداء: أيها الآباء لا تقدموا لهذا الوطن أي شيء، لا تفعلوا شيئاً، لا تدفعوا الضرائب، لكن ربوا أبناءكم، راقبوا أبناءكم، لا تتركوهم عرضة لسموم الإنترنت.