التنمر في المدارس... حول مسلسل مدرسة الروابي

07 سبتمبر 2021
+ الخط -

انتهيت من مشاهدة المسلسل الأردني "مدرسة الروابي" والذي بث عبر شبكة "نتفليكس العالمية"، ويتركز موضوعه حول قضية بالغة الأهمية وهي التنمر في المدارس.

 الحقيقة لا أعرف سبب الهجمة التي تعرض لها المسلسل، إذ إنه من الناحية الفنية عمل فني بالغ الجودة، أحسنت فيه مخرجته تيما الشوملي استعمال عناصرها البصرية، أما من الناحية الموضوعية  فقد تناول العمل بجرأة وعمق ظاهرة التنمر، وعالجها عبر قصة لضحية لها، وتقديري أن من ينتقده إما أنه لم يشاهده، أو أنه شاهده ولا يعلم بوجود تلك الفئة المجتمعية في محيطه.

عموما سأنطلق من مسلسل مدرسة الروابي للحديث عن ذلك السلوك المريض والعنيف الذي يمارسه بعض الطلبة والطالبات تجاه زملائهم، ويأخذ أشكالا مختلفة، من التنمر اللفظي، وصولا للاعتداء الجسدي، فثمة تعريفات عديدة للظاهرة واحدة منها تعرف التنمر بأنه: أحد أشكال الإساءة والإيذاء المتعمد لفرد ما أو مجموعة أفراد من قبل أشخاص سيئين يملكون السلطة ويمارسون قوتهم ضد من يشعرون بأنهم غير قادرين على مواجهتهم، ويكون بالإساءة اللفظية أو البدنية، النفسية أو العاطفية، مباشرة أو عبر وسائل التواصل عن بعد. التنمر كذلك في المدارس يأخذ شكل العنف الذي يمارسه طفل ضد مجموعة أطفال أو ضد طفل آخر بتعمد إزعاجه بشكل متكرر.

يبدو الفساد والمحسوبية حاضرَين حتى في مدرسة خاصة، ليتأكد لنا أن الفساد هو المتسبب في إعطاب كل شيء، من السياسة للتعليم للاقتصاد، وتلك لفتة ذكية للمسلسل

بداية، إن المتنمر غالبا ما يكون هو نفسه ضحية إشكالات في التربية والتنشئة ومشاكل عاطفية أو نفسية واجهها، فيقوم بتصدير مشكلته للآخرين، كما أن الضحية كذلك أو المتنمر عليه غالبا ما يكون هو كذلك قد عانى إشكالات ما تجعله غير قادر على الدفاع عن نفسه، أو أن نمط شخصيته ومنظومته التربوية  تمنعه من  استعمال العنف اللفظي أو البدني في الدفاع عن نفسه، لكن سلبية المسؤولين عن منع التنمر هي التي تؤدي لتضخم الحالة، كما في حالة مديرة المدرسة في مسلسل مدرسة الروابي، والتي لأسباب لها علاقة بالفساد، وكون والد بطلة المسلسل "المتنمرة ليان" صاحب نفوذ لم تتخذ الإجراءات اللازمة ليتضخم التنمر وينتشر حتى ينتهي بجريمة.

الحقيقة أن ظاهرة التنمر موجودة في الغرب كما هي في الشرق، إلا أن الدول الغربية تحاول باستمرار تفعيل آليات متعددة لمواجهة هذه الظاهرة، أولا عبر الاعتراف بوجودها، ثانيا عبر إشراك المجتمع في مواجهتها، وهذا الذي ينبغي العمل عليه في مجتمعاتنا، أن تتم مواجهة المتنمرين وفضحهم، وتجريمهم بدل لوم ضحية تنمرهم، خاصة الفتيات اللواتي هن الحلقة الأضعف في مجتمعاتنا، فالمتنمر والمتحرش هو المجرم، وينبغي حماية الضحية وإسنادها وتشجيعها على فضح ذلك السلوك المنحرف الذي يمارس تجاهها، وأن ينتبه الوالدان والأسرة لأبنائهم ويتحدثوا معهم يوميا، ويستمعوا لهم ولا يهملوا أي ملاحظة يحدثونهم عنها، وعليهم أن يشرحوا لهم بأن أي خطأ ارتكبوه يمكن معالجته وعليهم أن يقولوه لأهلهم، ولكن مجاراة المتنمر أو تقديم التنازلات له هو خطأ كارثي لا ينبغي أبدا أن يقعوا فيه.

وفي سياق المسلسل وإضافة لمعالجة ظاهرة التنمر، يبدو الفساد والمحسوبية حاضرَين حتى في مدرسة خاصة، ليتأكد لنا أن الفساد هو المتسبب في إعطاب كل شيء، من السياسة إلى التعليم إلى الاقتصاد، وتلك لفتة ذكية للمسلسل، إضافة لجملة من النقاط بالغة الأهمية.

أخيرا نجح المسلسل في تقديري في معالجة جملة من القضايا أهمها:

1- آفة التنمر وكيف يتحول ضحاياها لأشخاص مسكونين بالجراح والألم تتملكهم رغبة جانحة في الانتقام.

2- الواسطة والمحسوبية وظهر ذلك في نفوذ والد الطالبة ليان.

3- قصة الخوف من أصحاب السلطة والمال وقلب الحقائق، كما حصل في الاعتداء الأول على الطالبة مريم.

4- البنت في المجتمعات العربية دوما هي الحلقة الأضعف، ومتهمة حتى يثبت العكس.

5- إشكالية التناقض بين قيم المجتمع ودينه وبين التمرد غير الواعي عليها، والذي ينتهي بكوارث.

6- عدم معالجة المشكلة في بدايتها والتواطؤ، والتجاهل، كما فعلت مديرة المدرسة يجعل المشكلة تتضخم وتتعقد وتنتهي بجريمة.

أخيرا الآباء الذين يتجاهلون معاناة أبنائهم هم يسوقونهم سوقا لنهاية غير محمودة.

C2A96DF8-EEBE-40B9-B295-1C93BEABA19C
محمد أمين
كاتب وإعلامي فلسطيني مقيم في لندن، أكمل الماجستير في الإعلام في جامعة برونل غرب لندن.عمل صحافياً ومنتجاً تلفزيونياً لعدد من البرامج التلفزيونية والأفلام الوثائقية لصالح عدد من القنوات العربية والأجنبية، يكتب حالياً في شؤون الشرق الأوسط ويختص في الشأن الفلسطيني.