الباحث والتأثير العلمي في وسائل التواصل الاجتماعي
وليد موحن
لعلّ الباحث هو من أكثر الناس تأثيراً، إذ يُعتبر حضوره مساهمة نوعية في مناقشة قضايا جوهرية وبالغة الأهمية، ولا يمكن بأيّ حال تصوّر مجتمع يغيب فيه دور المثقف والباحث المخضرم في النقاشات العلمية والآراء الفكرية والمقاربات التواصلية.
وأمام زحف التكنولوجيات الحديثة ووسائطها الكثيرة، برز نقاش مستفيض حول دور الباحث في هذه البوصلة، بين من اختار الابتعاد عنها، بكونها لا تندرج داخل مآلات البحث العلمي، بحيث يعتبرها العديد مضيعة للجهد والطاقة والوقت دون الفائدة المرجوة، والغاية المؤكدة، وبين نفر آخر، اختار هذا الحقل والميدان من أجل نشر أعماله، وخلق نقاشات فكرية حول مواضيع تهمه، وخلق مجتمع بحثي، له نفس الاهتمامات والغايات قصد الإفادة والاستفادة المرجوة في قضايا شائكة وجوهرية من أجل مجابهة "نظام التفاهة" بتعبير المفكر الكندي آلان دونو، والتي تنزع نحو التنميط والتبسيط والمساواة بين الذي يعلمون والذين لا يعلمون.
من الواضح أنّ تيار التفاهة قد أضحى واضحاً وجلياً، حيت العديد من المؤثرين أضحوا يناقشون في مواضيع علمية محضة، ويقاربون بدافع الربح لا أكثر، بعض التابوهات التي لا يقدر عليها سوى المتبحرين في مجال العلم ورحابه الواسعة.
وأمام هذا المدّ الجارف لا مندوحة للباحث والأكاديمي إلا أنّ يندرج في سماء وسائل التواصل الاجتماعي، ويعمل على بثّ نفحات علمية في بابها، وطرح الأفكار في سمائها، وإبراز دور المثقف في رحابها، وذلك بالتقيّد بالمعطيات التالية ما أمكن:
- إضفاء طابع علمي على منشوراته البحثية والعلمية.
- جعل صفحته منارة لمن يتقاسم معه نفس الغاية والهم المعرفي والقلق العلمي.
- تجنّب السطحية والنفاذ إلى مواضيع جوهرية بدل الانجرار إلى المواضيع التي تساير الوقت ويكثر فيها الطابع الأسطوري على العلمي.
خلقت وسائل التواصل الاجتماعي مساحات بحثية مهمة، حيث يمكن للباحث أن يتواصل مع أصدقاء بنفس الغاية الفكرية دون الحاجة إلى تأشيرات سفر أو اعتراض حدود جغرافية
- خلق جسور بحث بين الباحث ونظرائه في مدن ودول أخرى، قصد التنسيق والمناقشة والاستفادة من التجارب والخبرات.
فلا غرو أنّ وسائل التواصل الاجتماعي وعلى الرغم من سلبياتها، خلقت مساحات بحثية مهمة، حيث يمكن للباحث أن يتواصل مع أصدقاء بنفس الغاية الفكرية دون الحاجة إلى تأشيرات سفر أو اعتراض حدود جغرافية. كما أنّ تقنية المباشر عبر قنوات التواصل الاجتماعي تُمكّن الباحث من عرض تصوّراته ومنطلقات أبحاثه دون ترخيص أو رقابة، كما يمكن أن يصل إلى أكبر عدد ممكن من الفئات، سواء داخل الوطن أو خارجه، كما يمكن أن يعقد جلسات عمل، أو أن يُنجز كتابات جماعية، فقط عن طريق التواصل عبر هذه القنوات.
وقد برز أيضاً نقاش حول هذه الوسائل التواصلية ومدى علميتها، بين رافض للتعامل بها ومعها، وراغب في التعاطي معها والتماهي مع التقنية التي تسير بسرعة واضحة. وهنا، ينبغي للباحث والأكاديمي أن يسايرها مهما بلغت سلبياتها، حيت إنّ المتعامل معها يتراءى له في العديد من الأحيان أنها مرهقة للغاية، أو أنّ بعض التعليقات لا تساير غاياته، خاصة حين يتم تبخيس أعماله، أو جعلها محلّ سخرية. لكن، كلّنا نعلم، أنّ في كلّ شيء تقني نعمة ونقمة، فهي وسيلة فرضتها السياقات العامة، ولا يمكن بأي حال أن تُعوّض عن المجال الواقعي المحض الذي يظلّ الوسيلة التي لا تعوّض في الشق الفكري والتواصلي والإنساني، لكن الظروف تجعل الباحث يتمسّك بهذه التقنية مهما بلغت نواقصها، ولعلّ الظرف الذي عاشه العالم خلال أزمة كورونا يوّضح ذلك.