الاحتلال وانتهاك حق الفلسطينيين في الحياة

25 يناير 2023
+ الخط -

نرى يومياً ارتفاع عدد شهداء فلسطين باستمرار دون أيّ تحرّك دولي لوقف هذه الجرائم التي تنتهك أبسط  حق من حقوق الإنسان، وهو الحق في الحياة، الذي نصّت عليه كلّ القوانين والمواثيق الدولية، حيث يقف العالم مكتّفَ الأيدي أمام الضحايا الفلسطينيين الذين يستشهدون يومياً في الأقصى ونابلس ورام الله وغيرها. كما أصبح رفض وتنديد دول العالم بسياسات الاحتلال لا يجني ثماراً، ولا يغيّر شيئاً لدى حكومة الاحتلال تجاه فلسطين، وبات مجرّد شعار، لذا فمن المهم أن ينتج هذا الرفض عملاً حقيقياً يخدم القضية الفلسطينية.

كان عام 2022 العام الأكثر دموية وعنفاً في فلسطين، حيث شهد هذا العام انتهاكات كثيرة لحقوق الشعب الفلسطيني، ومنها حقوق الطفل باستشهاد عدد كبير من الأطفال مثل (جميل نجم 4 أعوام، وآلاء عبد الله قدوم 5 سنوات من غزة، وريان ياسر سلمان 7 سنوات، ومحمود سمودي 12 عاما من الضفة)، وتعرّضت المرأة إلى انتهاكات عديدة، كان أبرزها استشهاد الصحافية شيرين أبوعاقلة، وارتفع عدد الشهداء والمصابين والمعتقلين في فلسطين ارتفاعاً كبيراً لم تشهده فلسطين منذ عام 2005، حيث وصل عدد الشهداء إلى 230 شهيداً، بينهم 171 في الضفة الغربية، و53 من غزة، و6 من فلسطينيي 48، و9335 إصابة و6500 حالة اعتقال، و833 مبنى فلسطينياً هدمها الاحتلال في الضفة الغربية بما فيها مناطق شرقي القدس، و793 هجوما للمستوطنين، و13130 شجرة زيتون تم إتلافها أو قطعها.

استمراراً لانتهاك الاحتلال الحق في الحياة للشعب الفلسطيني، أطلق مستوطن إسرائيلي النارعلى فلسطيني وقتله في مزرعة بالقرب من رام الله بالضفة الغربية المحتلة، وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أنّ طارق معالي (42 عاما)، قُتل بعد أن أطلق الاحتلال الإسرائيلي النار عليه بالقرب من بلدة كفر نعمة الفلسطينية. يُذكرنا هذا الحدث بحدث مشابه له منذ عامين، عندما قتل مستوطن إسرائيلي بالرصاص محاسب فلسطيني، يدعى خالد نوفل، يبلغ من العمر 34 عامًا، في المكان نفسه، وغيره مثل جواد فريد باوقطة (57 عاما)، وهو مدرس في مدرسة ثانوية وأب لستة أطفال، الذي قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد أن ذهب لتقديم الإسعافات الأولية لفلسطيني آخر مصاب.

الإفلات من العقاب يؤدي إلى استمرار الجرائم وإلى مزيد من العنف

يدفع الفلسطينيون ثمناً لا ذنب لهم فيه، ويسقط باستمرار العشرات من الضحايا، وتجري القوات الإسرائيلية عمليات قتل واعتقال شبه ليلية في الضفة الغربية، وتركزت معظم المداهمات في الأشهرالأخيرة في نابلس وجنين، حيث يعيش عدد متزايد من المقاتلين الفلسطينيين. 

على مرّ السنوات، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم قتل كثيرة في فلسطين، ومن أبرزها عملية الرصاص المسكوب عام 2009، والتي استمرت 22 يوماً، كانت الأعنف منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، حيث قتل خلال العدوان 1167 مدنياً فلسطينياً، من بينهم 318 طفلاً و111 امرأة، ومن المفترض أنهم أشخاص محميون بموجب القانون الإنساني الدولي، كما أصيب 5300 فلسطينيي، من بينهم 1600 طفل. علاوة على ذلك، تعرّض 2114 منزلاً (تضم 2864 وحدة سكنية) للتدمير الكلي في قطاع غزة، فيما أصبح 3242 منزلاً (تضم 5014 وحدة سكنية) غير صالح للسكن، وأصبح نحو 50 ألف فلسطيني بلا مأوى، وتمّ استهداف البينة التحتية في قطاع غزة بشكل كامل.

على الرغم من أنه ينبغي عدم استخدام المدفعية بشكل عام، وقذائف الفوسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان، أطلق الاحتلال الفوسفور الأبيض، وهو مادة شديدة الإحراق، بلا تمييز وبشكل متكرّرعلى المناطق السكنية المكتظة بالسكان، ما أسفر عن قتل وجرح مدنيين وتدمير ممتلكات مدنية.

رفض وتنديد دول العالم  بسياسات الاحتلال لا يجني ثماراً ولا يغيّر شيئاً  لدى حكومة الاحتلال تجاه  فلسطين

ونأسف للقول إنه بعد كلّ هذه الانتهاكات من قتل ودمار للبنية التحتية، فشلت جميع الأطراف في إجراء تحقيقات محلية عاجلة وفاعلة ومستقلة تتماشى والقانون الدولي، وأخفقت في ملاحقة المشتبه فيهم بارتكاب الجرائم بموجب القانون الدولي، ولوحظ أنّ النتيجة الوحيدة الملموسة لتلك الإجراءات كانت الحكم بالسجن لمدة 7 أشهر لسرقة بطاقة ائتمان، وحكما آخر بالسجن لمدة 45 يوما في ما يتعلّق بمقتل سيدتيْن كانتا تحملان الراية البيضاء، وحكمين بالسجن لمدة ثلاثة شهور مع وقف التنفيذ بسبب استخدام طفل فلسطيني كدرع بشري.

كل الأدلة تؤكد على ارتكاب الاحتلال انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، وغياب المحاسبة لدى سلطات الاحتلال، إلا أنها لم تُقابل بغير الإدانة الدولية، ولم يتخذ المجتمع الدولي خطوة هامة لوقف هذه الجرائم. فلا بد من إجراء تحقيق واف ومستقل وغير متحيّز في هذه الجرائم، وضرورة تقديم الجناة للعدالة، لأنّ الإفلات من العقاب يؤدي إلى استمرار الجرائم وإلى مزيد من العنف، وفرض حظر فوري وشامل من قبل مجلس الأمن على توريد السلاح إلى إسرائيل، ووضع آليات لضمان أن لا تستخدم الأسلحة والذخائر وغيرها من المعدات العسكرية في ارتكاب انتهاكات ضد القانون الدولي، وإجراء تحقيق في جرائم الحرب المزعومة والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في فلسطين،  وعلى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان أن تتحرّك لاتخاذ قرار للحدّ من انتهاكات الاحتلال في فلسطين، حيث كفلت المواثيق الدولية حقوق المرأة والطفل في وقت السلم والنزاعات المسلحة، ومخالفة هذه القوانين يعاقب عليها القانون الدولي.

محمود خضر
محمود خضر
كاتب، ماجستير علوم سياسية.