الإنسان هو القضية الرقمية أيضاً

26 يوليو 2022
+ الخط -

تُعد الحقوق الرقمية من حقوق الإنسان الأساسية، علماً أن الأمم المتحدة أعلنت، في تقرير لها، أن الوصول إلى الإنترنت يُعتبر حقاً من حقوق الإنسان، وقطع هذه الخدمة عن المشتركين يشكّل انتهاكاً للقوانين الدولية التي ترعى حقوق الإنسان.

ويمكن تعريف الحقوق الرقمية بأنها الحقوق التي تسمح للفرد بالوصول إلى الإعلام الرقمي واستخدامه وإنشائه ونشره أو الوصول إلى أجهزة الحاسوب وغيرها من الأجهزة الإلكترونية أو شبكات الاتصال واستخدامها، ويرتبط هذا المصطلح بشكل خاص بحماية الحقوق المقرّرة، مثل الحق في السرية أو حرية التعبير في سياق التقنيات الرقمية الجديدة، وخصوصاً شبكة الإنترنت، ويتم اعتبار الوصول إلى شبكة الإنترنت حقاً تكفله قوانين الدول المتعددة.

وحظيت حقوق الإنسان باهتمام بالغ لدى المجموعة الدولية، وتبلور هذا الاهتمام بصدور العديد من المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تعبّر عن التزام الدول باحترامها لخصوصية الأفراد، على غرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص على: "لا يجوز أن يتعرض أحدٌ للتدخل التعسفي في حياته الخاصة، أو أسرته أو مسكنه أو مراسلاته أو بحملات على شرفه وسمعته ولكل شخص الحق في حماية القانون من مثل هذا التدخل أو تلك الحملات".

إلا أنه من المُلاحظ على هذه الاتفاقيات والمؤتمرات، وبالرغم من حمايتها لحياة الإنسان الخاصة بصورته التقليدية، فإنها لم تعالج مسألة حماية الآراء والحياة الخاصّة في ظل نشوء وتطور تكنولوجيا المعلوماتية والآثار المُترتبة على هذا الحق، خاصّة بعد الانتهاكات التي أصبح يتعرض لها الإنسان بشكل متزايد وخطير، بسبب التطورات العلمية والتكنولوجية المتلاحقة.

وعلاوة على ذلك، فقد أثيرت نقاشاتٌ دولية وإقليمية، حيث ظهرت العديد من التوجّهات الدولية، بما فيها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وإسهامات مجلس حقوق الإنسان، والمقرر المعني بحماية الحق في الخصوصية، تصبّ في اتجاه عامّ يسود المجتمع العالمي، على أن الوضع الحقوقي الجديد يقتضي احترام الحق في الخصوصية وتوفير الحماية اللازمة له في ظل التحديات الرقمية المعاصرة، وذلك في إطار معالجة التحديات القانونية والفنية والتنظيمية المتعلّقة بالأمن السيبراني على الصعيد العالمي والإقليمي والوطني. كما تعتبر أن الحقوق الرقمية الجديدة هي نفس الحقوق التي يتمتع بها الإنسان، وبالتالي يتوجّب حمايتها في الفضاء الرقمي.

ومن التحديات الأخرى التي تعيق حماية حقوق الإنسان العالمية في الساحة الرقمية تلك الفجوة التكنولوجية بين مختلف الدول، إذ لا تزال العديد من الدول متخلفة بتوفير خدمات الإنترنت والاتصال الرقمي لناحية الانتشار وقيمة التكلفة مقارنة بالدول الرائدة في هذا المجال، وذلك باعتبار الثورة التكنولوجية أيضاً ظاهرة عالمية.

ومن جهة أخرى، تطرح أخطار اتساع نطاق المراقبة وجمع البيانات الضخمة وتخزينها وتعاظم إشكالات سوء الاستخدام المتعمد أو غير المتعمد للتكنولوجيا وأدواتها الذكية أسئلة عديدة حول تحديد مسؤولية معالجة هذه المخاطر المتعددة والمعقدة التي تتجاوز الثقافات والحدود الوطنية والسلطات القضائية، سواءً كان ذلك بالنسبة للدول المستخدِمة، وهي التي تتحمل المسؤولية الأساسية لحماية حقوق الإنسان، وملزَمة الوفاء بالتزاماتها في هذا الشأن، أو بالنسبة للقطاع الخاص الممثل في الشركات المصممة لهذه الأدوات.

وبالحديث عن مسؤولية القطاع الخاص (كبرى شركات مواقع التواصل)، فقد برز تحدٍ آخر يتعلّق بانتهاك حرية الرأي والتعبير الرقمي، حيث تعمد العديد من هذه الشركات (ميتا بمنصاتها فيسبوك وإنستغرام على سبيل المثال لا الحصر) بحجب وتقييد آراء المستخدمين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني والفلسطينيين أنفسهم من خلال حذف منشوراتهم التي تتضمّن آراء مختلفة حول مظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا ما يخالف ما نصّت عليه القوانين الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان، ولا يمكن الاستمرار بقبول هذا الواقع والتعدّي الموصوف على الحريات، خصوصاً أنّ ثمة نسبة كبيرة جداً من المنشورات التي تُحذف لا تتضمن أي إساءة أو خطاب كراهية أو تحريضاً على القتل، بل مجرّد منشورات تضامنية أو محتوى ينقل الأخبار، ويبيّن الانتهاكات الإنسانية للكيان المحتل، وبالتالي لا بد من الاستمرار في تشكيل ودعم القوة الضاغطة والفاعلة  للحد من هذه الانتهاكات الرقمية والسعي للوصول إلى عالم رقمي عادل وآمن وحر يجعل من الإنسان القضية الأساسية.

راغب ملي/ فيسبوك
راغب ملي
مدير الاتصال الرقمي في مركز أبحاث الحكومة الإلكترونية، كاتب وباحث ومتخصص في مجال إدارة مواقع التواصل الاجتماعي.