الإجابة خاطئة
عصر الجمعة الماضية ذهبت مع بناتي لمسجد في المدينة المقيمة بها لقضاء نشاط ديني صيفي، وهذه فرصة ذهبية لكثير من العرب لمقابلة أبناء جاليتهم وللحفاظ على الهوية..
تركت البنات ليخضن أول تجربة تواصل مع بنات جاليتهم العربية، وجلست في طابق آخر تنتظر فيه الأمهات، تربعت على الأرض ومسكت هاتفي اتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، قاطعني صوت بلهجة غير مصرية تحمل صاحبته مكبر صوت لتعلن عن درس للنساء.
ترددت بين المغادرة والجلوس، لا أخفيكم، طاقتي لم تعد تسعفني لأسمع أي شيء. لم أعد الشابة المتأثرة بكل حديث ديني، تصارعت قناعاتي الجديدة والقديمة بين لا خسارة من الجلوس والسماع.
بدأت المحاضرة، تحدثت واسترسلت وأفاضت، صوتها يعلو ويحنو ويترقق، توعظ بكلمات مكررة محفوظة من يوم ولادتي، مشكورة على المجهود.
ذكرت في حديثها أنها قدمت إلى بريطانيا في السبعينات، وحكت أنها كانت تقاوم بلاد الكفر وتخرج أطفالها من دروس الموسيقى والرقص والمسرح وتأخذهم في حجرة وحدهم تدرسهم الدين، وعند تقديم أوراق ابنتها الصغيرة، طالبتها المدرسة بالتوقيع على إقرار أنها لن تأخذها من الدروس مثل أخوتها.
لزم عليك نقل تجربة الحرية والعدالة الاجتماعية التي تتمتعين بها لأبناء بلدك ليطالبوا بمثلها وليعلموا أنهم كبشر لهم حقوق مسلوبة
ونصحتنا بتربية أبنائنا على الدين لمقاومة الدولة اللادينية ورفض ما تقدمه المدرسة من دروس منافية للقيم الإسلامية. قاطعتها مستمعة بسؤال بدى لي من لهجتها أنها يمنية الجنسية، "سيادتك يسألني أبنائي لماذا بلاد المسلمين بها حروب ومجاعات وفقر وهم مسلمون وبلاد الغرب بها خير ورخاء وهم ليسوا على الإسلام؟".
فأجبت بداخلي أن الظروف السياسية التي تدار بها الدول العربية قادتها للفقر والدونية، وقلة الحريات والتعبير عن الرأي قادت السياسيين والمثقفين للسجون، قاطعت المحاضرة إجابتي وقالت بعلو الصوت "إنه اختبار من الله، يمتعهم هم في الدنيا ونحن نصبر ونسعد في الآخرة".
توقف تفكيري لحظة من خيبة الرد وأمله، يبدو أن آمالي كانت كبيرة وصدمها الرد وأيقنت حينها لا جلسة لي هنا مرة أخرى. والآن أريد أن أجيبك سيدتي لماذا البلاد العربية بها حروب وبلاد الغرب بها رخاء؟
قبل الإجابة أريد أن أقول لكِ سيدتي، ولا أعلم ان كنتِ تقرئين كلماتي أم لا، أنتِ نفسك هاجرتي بلاد الصبر وذهبت لبلاد المتعة في الدنيا لتستقر حياتك، فهل ستكونين من الخاسرين في الآخرة؟
الأمر ليس له علاقة بالدين ولا بالإسلام، وسامحيني في معارضتك من يوم قدومي لم أجد معاملة شخصية يحدد مجراها الدين، فلا يخفى عليك أن هذه البلاد يشارك فيها جنسيات متعددة ولكل منهم ديانته.
سيدتي البلاد العربية لا يقطنها المسلمون فقط، فهي ليست ضعيفة وفقيرة لأن قاطنيها مسلمون وتحت اختبار رباني. بلادنا تعاني وتصرخ من التهميش والقمع وتكميم الأفواه، ولأسباب اقتصادية وفساد في توزيع الثروات ولا يوجد غطاء اجتماعي يحمي المواطن، ولافتقارنا لكل ذلك، وتمتع بلاد الكفار كما ذكرت بها، فأنتِ هنا الآن.
وأحدثك بمرجعيتك الدينية هناك رأي للإمام ابن قيم الجوزية في أمور الحكم والسلطة "إذا خيرت بين إمام كافر عادل وإمام مسلم ظالم، فإنني أختار الإمام العادل الكافر، لأن عدله لي وكفره عليه، أما الآخر فإسلامه له وظلمه علي".
فتصنيفك للأمر أنه اختبار يجب علينا الصبر تصنيف خاطئ، وأنت شريكة في استمرار ضعف بلادك. لزم عليك نقل تجربة الحرية والعدالة الاجتماعية التي تتمتعين بها لأبناء بلدك ليطالبوا بمثلها وليعلموا أنهم كبشر لهم حقوق مسلوبة، ردك ذلك يجعلهم يصبرون على الظلم ويورثونه لأبنائهم وتتكرر دائرة غير مفرغة.
سردي لهذا النموذج لا يعني أن جميع الخطباء والعلماء المقيمين بالدول الأوربية بهذا التفكير الضيق. بل يوجد مستنيرون ومؤثرون بصورة إيجابية داخل المجتمع الإسلامي في أوربا. وكان لهم تأثير في نشر الوعي وغلق المساجد في جائحة كورونا، ولم يصنفوا غلقها أنها حرب على الإسلام كما ردد البعض.