الأحوال الشخصية..."ما تاخدا شخصية"

13 أكتوبر 2023
+ الخط -

بات طرح أيّ تعديل أو تلوين في قانون الأحوال الشخصية في لبنان ضرباً من التعقيد والتهديد. فبأيّ وجه حق، نطالب نحن المتضررون من التشققّات في سقف هذا القانون، بإحداث تغيير أو إعادة برمجة في جيناته الممجوجة؟ ما هي الدوافع والقوى المحرّكة لعربة الانتفاضة الإنسانية والاجتماعية هذه؟ هل حان الوقت للاستزلام أمام الانهزام، ومواجهة مظالم أهل السلطة ومكرهم الطائفي الأرعن؟ ألم يعلم أولئك قط أنّ الوطن حالة عاطفية وهالة، وليس معملاً أو مرقصاً أو بقّالة؟

إلى متى سيظلّ الخوف والوجل من طائفة لأختها من الطائفة الأخرى؟ إلى متى سيستمر التهويل بخطورة الانقلاب الديمغرافي والتسمّم الجغرافي والنصر الخرافي؟ من قرّر أن يكون لبنان وطناً ذكراً لا حظ فيه للأنثى؟ هل غاب عن مسامعكم النص المباشر والصريح لشرعة حقوق الإنسان الذي يساوي بين البشر دون تمييز أو تفرقة لأيّ اعتبار أو سبب. فلا يجوز الإجهاز على حق المرأة بالمشاركة في الوطن كمواطنة لها كامل الحقوق، وعليها واجبات تماماً مثل الرجل. إذاً، ما هو الوازع والرادع لخطوة تحديثية وتأهيلية لبعض بنود وحشوات قانون الأحوال الشخصية؟ ألم يحن الوقت لتنظيف ميناء هذا القانون من الملوّثات التمييزية الضارة؟ فإنّ خالق الكون كرّم المرأة وجعل رحمها كصدف البحر تخرج منه معجزة الخلق، الإنسان. فبرأيكم، من أولى بتحديد الانتماء الى وطن الأم، حبل الخلاص أم قلم الرصاص؟ الدم السائل في العروق أم الحبر السائل على ورق مأمور النفوس؟ 

إنّ الجنسية هي مجرّد تحديد لانتماء الفرد جغرافياً ليس إلّا. هي هوية وجواز سفر وإخراج قيد. ومنح هذا الامتياز للفرد، ما هو إلّا تأكيد على ولادته وصعود نجمه في هذا الحيّز من المعمورة. فعندما تستضيف الأرض طفلاً عمره دقيقة واحدة، تمنحه اسماً ثلاثياً يتألف من اسمه واسم أبيه وكنيته السعيدة، وتتم إضافة خانة لاسم الأم كإجراء لتمييزه إلى حدّ ما عمّن يحمل اسماً وكنية مماثلين له. ومع ذلك كله، لا يستطيع الطفل إلى جنسية أمه سبيلاً. فالقانون ينظر إليه كبذرة خام زرعت في الأرض، ولا يأبه بعملية النمو والنضج والتحوّل لفاكهة أو خضار. كما أنّ هذا القانون يسعى جاهداً لإزالة كلّ حبة تراب عن المقطوف، تماماً كما نفعل نحن حين نغسل الخضار والفاكهة جيّداً لنزيل آثار الأرض عنها. صدّقوا، إنّ القانون يجاهر علانية بمحو آثار أمهاتنا عن جلدنا.

إنّ القانون يجاهر علانية بمحو آثار أمهاتنا عن جلدنا 

نحدثهم عن حق الأم بمنح جنسيتها لأبنائها بحكم الخلق والطبيعة والدم، يحدثوننا عن توزيع مقاعد نيابية، وتحوّلات طائفية، وحروب ثقافية، وموجات توطينية وزد على ذلك من حبكات القلق والتوّجس! همّهم كرسي هنا وكوتا هناك، وهمنا أن نكون مواطنين في بلد ولدنا فيه، ونشأنا في أحيائه، وتعلمنا في مدارسه وجامعاته. لبنان وطننا، نحن الذين حملتنا بطون لبنانية وسقتنا دماء لبنانية وأرضعتنا أمهاتنا اللبنانية. فلا مختار، ولا محافظ، ولا وزير، ولا نائب يمكنه نكران حقيقة الخلق، والذي بموجبه يمنح أبناء الأم اللبنانية الجنسية التي يستحقونها. وإن كان خوفكم من زيادة في حصّة هناك، ونقص في حصة هنا، فأنا شخصيا أؤكد لكم أنّي لا أكترث بكلّ ما تصبون إليه، ولا أريد سوى أن أحمل جنسية أمي والبلد المظلوم بفئة منكم، لبنان. 

أيها الحاكم الصغير، أيتها الحاشية الموقّرة، صَفّوا نواياكم واجتمعوا بحق من وضعكم في هذه الدنيا، لتنهوا هذه المهزلة التمييزية، وتمنحوا المرأة حقها. فهي شريكتكم، وحبيبتكم، وأمكم، وشقيقتكم، وزوجتكم، وابنتكم، وكُم وكُم وكُم... لكنكُم لا تستحقون حتى أن تكونوا شركاء لها، لأنكم تفتقرون الى روح الحوار الإنساني، وتعملون من أجل تدعيم فئويتكم وعنترياتكم فقط. فويلكم، ويلكم من صرخات المخاض التي ستشهد على ظلمكم ونكرانكم للحق يوم لا ينفعكم مال، ولا بنون، ولا رشوة، ولا من يحزنون.

A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
A316885A-7868-45DD-8FB2-2B2874BA058F
محمد رشاد الحلبي
كاتب من لبنان.
محمد رشاد الحلبي

مدونات أخرى