أن تكون فلسطينيّاً يحلم برؤية فلسطينيٍّ آخر... في فلسطين!

24 يناير 2021
+ الخط -

العالم يشعر بالملل، ليس من قضيتنا فحسب، بل من نفسه. هناك الكثير من الأسباب التي تجعل العالم كله يشعر بصداع لا نهائي، ولا ينحسر الصداعُ هذا في ما تواجهه البشرية مؤخراً من جائحة كوفيد-19 ومشاكل الاقتصاد و"ترامب" الذي إذا ما سرحت في أمره للحظة، ستضحك لأربع سنوات بديلة السنوات التي قضاها هذا الرجل في الحكم، لكن هذا ليس شأني في هذه المقالة.

صديقتي هنادي فلسطينية من مواليد لبنان، وتعيش في الإمارات. وأنا لا أختلف عنها كثيراً، إذ ولدت في غزة وأجدادي هجّرهم الاحتلال من عسقلان، وأعيش اليوم في قطر. مفارقات غريبة، جعلت ما يأتينا في المنام أكثر جرأة وقسوة علينا.

ليس من المعقول أن أغيب عن غزة قرابة الخمس سنوات دون أن أستطيع تخيل زيارتي لها، أنا لا أتخيل أنني سأزور هذه المدينة، أو على الأقل لا أعرف متى يمكن أن يحدث ذلك، لكن ما أعرفه، أنَّ غزة التي عشت فيها قرابة ثلاثة عقود، باتت تأتيني في المنام.. والحقيقة أنني اعتبرت كل هذا جرأةً زائدةً عن حدّها. فأن تصبح غزة حُلماً، هذا يعني أنها بعيدة وحازمة أمرها في أن تكون حُلماً، وما زلت لا أدري كيف جرى كل ذلك.

كلُّ شيء بات ممكنًا أو غير ممكن.. أن لا ترى أمك طيلة حياتك، أو أن لا تجد مكانا تذهب إليه، أو ينتهي أجلُ ما تبقى لك من الإقامة..

صديقتي الفلسطينية، ترسل لي رسالة على فيسبوك، تقول: "أحمد حلمت بأني رحت على غزة، والغريب إنك كنت ناطرني بمطارها". وعلى الرغم من أنَّ غزة كان فيها مطار فعلاً، إلا أنك قد تموت من الضحك الآن إذا ما سمعت أحدهم يتمنى عودة مطار غزة الدولي، فالمطار "طار" بشكلٍ حرفيّ، كما طارت أشياء كثيرة.

كيف جرى كل هذا؟ أنا لا أعرف، ولكن ما أعرفه أنَّ تفتيتاً داخل التفتيت حدث للفلسطينيّ. قبل شهر ارتبطت ميساء منصور من الداخل الفلسطيني بكريم أبو الروس من غزة، وكان أمراً غريباً بالنسبة إلى عدد من الناس، فأول ما فكّر فيه كثيرون، هو كيف فعلا ذلك، وإن تزوجا فأين سيعيشان؟ وإن كان القارئ غير عالم بهذه التفاصيل، فمن الضروري معرفة أنَّ الفلسطيني في غزة لا يستطيع العيش داخل الأراضي المحتلة عام 1948، كما لا يستطيع العيش في الضفة الغربية، والعكس بالنسبة إلى الجميع، فكل هذا يحتاج إلى تصاريح من الاحتلال لا يقوم بإصدارها!

الأبارتايد الحقيقي هو ما يفعله الاحتلال ومعاونوه بالفلسطينيين الذين انسابوا في كل بقاع الأرض ويتم تذويب هويتهم وتشويه ثقافتهم وإلغاء تاريخهم عبر السنوات، وبسذاجة من فلسطينيٍّ اعتقد أنَّ جلوسه على كرسي المنصب سيحميه من البركان.

"شكراً للجولة الافتراضية" تقول هنادي، وأقول: "بتمنى يتحقق الحلم". كلُّ شيء بات ممكناً أو غير ممكن.. أن لا ترى أمك طوال حياتك، أو أن لا تجد مكاناً تذهب إليه، أو ينتهي أجلُ ما تبقى لك من الإقامة.

أو كما قالت هنادي في أمنيتها للعام الجديد: "أريد أن لا تُباد هويتي كفلسطينية، وأن لا يُقضى على وثيقة لجوئي، وأن لا يتم تذويبي في غُربة لستُ أُطيقها. أن لا أُحرم من العودة، وأن لا أحلُم بهجرة مُحتملة، وأن لا يصبح لدي بلد مُفضل أسعى للعيش فيه غير وطني".

مدون فلسطيني
مدون فلسطيني
أحمد بعلوشة
صحافي وناشط مجتمعي فلسطيني، من مواليد مدينة غزة. حاصل على بكالوريوس في إدارة الأعمال وماجستير في العمل الاجتماعي. عمل في عدد من مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين، إضافة إلى العديد من الإذاعات والصحف المحلية والدولية
أحمد بعلوشة