أمنيات هذا العام... صغيرة
قد يبدو ما أكتبه الآن باهتاً ومتأخراً عن الركب الذي تحمّس لدرجة الانهيار على عام جديد. قد يكون البقاء بحد ذاته إلى وقت دارت فيه الأرض حول الشمس دورة كاملة إنجازاً، ولكن الغريب أن التفاصيل لدى بعضهم خلال هذه الدورة، وما حملته أيامها من مآسٍ وقبح تنسى...
بمجرد تحقق هذا الأمر الحتمي الذي لا عجب حوله البتة! وكأن القادم من الأيام سيحمل اختلافات جوهرية، لا أدري من أين استقاها المتأملون.
لم أعد أسأل نفسي عن آمالي الجديدة للأيام الآتية وهو سؤال بات رائجاً لدى بعضهم مع قدوم عام جديد. ربما لم يكن هذا السؤال من عاداتي أصلاً. نعم أعترف أنني كنت أرسم في بعض الأحيان خططاً في ذهني عما أريد إنجازه وأحياناً كنت أكتبها عملاً بالنصيحة التي لا أدري أصلها العلمي بأن الكتابة تقيد الآمال بقيد الواقع وقد تدفع بصاحبها إلى العمل على تحقيقها بدافع أكبر.
كل هذا تلاشى الآن. ألوم نفسي أنني حلمت يوماً. ثم ما ألبث وأستدرك أن الحلم حياة وأن إنجازه هو أجمل ما فيها. ثم ألوم نفسي على عدم إخلاصها لأحلامها. وأعود وأستدرك بالنظر إلى أسفل.. إلى الواقع. أضحيت أرى معادلة جديدة.
لا أعلم إذا كانت تجربتي في الحياة عاملاً في إنشائها. أقول تجربتي وأعني هذا التوصيف. فرغم أنني نكرة وعلى الهامش إلا أنني ما زلت أقدر كل فكرة نتجت عن نظرة وكل محصول أثمر عن علم. وكل تلذذ نتج عن تأمل لجمال. وكل احتقار أملتْه البشاعة.
المعادلة نعم التي كنت بصدد الحديث عنها كانت يوماً أن أحلم بعيداً تاركة لعنان خيالي مطلق الحرية. لا أعني أنني تحولت إلى ديكتاتور مع خيالي. فعلى الرغم من وجود هذا المارد متجذراً في واقعنا ونموذجاً في عالمنا إلا أنني لم أنجرف بعد إلى هذه السفالة. لا يزال خيالي حراً في إطلاق أحلامه. لكن ميزان التوازن الذي يعيدني تكراراً إلى الواقع يرجح كفة إنجازات مقفلة ولائحة ضئيلة من النجاحات المحدودة على صعيد شخصي وعام.
اليوم تقودني هذه التجربة إلى معادلة جديدة بات قوامها أحلام تحتفظ بصفات الأحلام لكنها صغيرة ومتواضعة، أنحت ليل نهار بخطو خطواتي نحوها، أجاهد نفسي على أي سبيل يقربني إليها. ميزان التوازن هذا لا يمنع رؤية الجمال، لكنه يفترض بأن كل العبط أن لا يرى القبح أيضاً وأن تتحول الآمال والحديث عن الإيجابية الساذجة إلى حالة إنكار يبدو أصحابها والدعاة إليها وهم كثر، كمؤدّي الكوميديا الهابطة.
أضحت أفكار على شاكلة تغيير العالم، ولعب دور جبار، وما يمكن لفرد واحد أن يحدثه من فرق، فعلاً باعثة على السخرية بالنسبة لي، لا سيما في عالمنا الذي يدفع فيه المدنيون الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، أبهظ الأثمان. لا أقول إن فكرة التغيير وجعل عالمنا مكاناً أفضل، هي أفكار سخيفة بحد ذاتها البتة، لكني أفضل أن يكون هذا التغيير وتلك البصمة من خلال ما أنا قادرة فعلاً لا قولاً على إنجازه بعيداً عن الأماني الساذجة التي امتلأت بها منشورات مواقع التواصل الاجتماعي، مع حلول العام الجديد. ولا أزال مع ذلك أقدر كل المعاني الجميلة التي يعتبرها بعضهم وربما الأغلبية "مثالية"، وأحتفظ بها مهما بدت لا مكان لها على الأرض.
أحاول إنعاشها كل يوم. أرويها من فلسفة ما يجب أن يكون لا ما هو كائن. لكن التوفيق بين الإخلاص لأحلامنا في الخيال مهما كانت بعيدة عن الواقع، وبين عدم الخضوع دونما شعور لحالة إنكار وتجاهل الحقائق، أمر يجب أخذه بالحسبان. كأنه بات لزاماً على أي شيء أن يكون ذا وجهين. وجه يحمل معاني الجمال في الخيال. ووجه يحمل معاني القبح في الواقع.
لا أدري إن كانت هذه المعادلة السبب في تقلص آمالنا، أو أن ذلك يعود لأن أحداً لم يقل لنا يوماً أن الواقع قد يخذلنا إلى هذا الحد. ولو أني لا أدري إن كان ذلك لو صار سيحدث فرقاً حقاً؟ لا أدري إن كانت الأحلام يليق بها أن تكون هكذا متواضعة... بسيطة وأن الإنسان باندفاعه وسذاجته وقلة خبرته في الشباب يحاول تضخيمها أو رؤيتها أكبر مما قد تبدو.
ليس لي أمنيات فعلاً للعام الجديد، ولا خطط أكتبها... هل فعلاً يكتب بعضهم خططه؟ من أين لهم هذا الجلد؟ ربما تصبح الأمنيات أجمل عندما تأتي هكذا في وقتها... ولعل طعمها يصبح ألذ كلما صغرت بينما نكبر..