أزمةُ البطالة بين الشباب المغربي
إنّ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي سلّط الضوء على وجود 4.5 ملايين شاب مغربي خارج منظومة العمل والتعليم، ليس سوى غيض من فيض، عندما يتعلق الأمر بمناقشةِ أزمة البطالة في المغرب. إنّ هذه القضية الملحة، والتي تؤثر خاصةً على الشباب، ليست فريدة من نوعها في المغرب، ولكنها ظاهرة عالمية تتطلّب حلولاً مبتكرة. ومع ذلك، فإنّ الأرقام في المغرب مثيرةٌ للقلق، وتستدعي اتخاذَ إجراءاتٍ فورية.
يعد مفهوم "نيت" (الشباب غير العاملين وغير الملتحقين بالتعليم أو التدريب)، مؤشراً عالمياً تمّ تبنيه من المؤسّسات المالية الدولية. وفي المغرب، يمثّل هؤلاء الشباب نسبةً كبيرةً من إجمالي السكان، ممّا يسلّط الضوء على الحاجة الملحة إلى معالجة هذه القضية. ووفقاً للإحصاءات، فإنّ ربع هؤلاء الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، لا يعملون، ولا يدرسون، ولا يتدربون. وهذا المعدّل أعلى من متوسّط الدول ذات الدخل المتوسّط، ممّا يبرزُ خطورةَ الوضعِ في المغرب.
تتمثل المشكلتان الرئيسيتان اللتان تؤثران على سوقِ العمل المغربي في انخفاضِ مشاركة النساء في القوى العاملة، خاصة في المناطق الريفية، وضعف مستوى التعليم والتدريب. ووفقاً لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، هناك ثلاث مراحل أو عقبات رئيسية يُواجهها الشبابُ في سوق العمل: الانقطاع الدراسي، وصعوبة الولوج الأوّل إلى سوق العمل، والانتقال من العمل الأوّل إلى العمل الثاني. وهذه العقبات يمكن أن تؤدّي إلى الإحباط والانسحاب من سوق العمل. علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى تحسينِ جودةِ الإحصاءات والوصول إلى المعلوماتِ الدقيقة. فالأرقام الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي تختلف، مما يبرز أهمية انتظار نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2024 للحصول على صورةٍ أوضح.
انخفاض مشاركة النساء في القوى العاملة، خاصة في المناطق الريفية
هناك أيضاً مشكلة في معدّل النشاط، والذي يشيرُ إلى نسبةِ السكان النشطين (العاملين أو الباحثين عن عمل) بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و65 عاماً. وقد شهد هذا المعدّل تراجعاً في المغرب في السنوات الأخيرة، حيث إنّ الزيادة في عدد السكان غير النشطين، خاصة أولئك الذين يعانون الإحباط واليأس بسبب البطالة طويلة الأمد، تفوق الزيادة في عدد السكان النشطين. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة ملحة إلى معالجةِ مشكلةِ الهدرِ المدرسي، خاصة بين الفتيات في المناطق الريفية. ووفقاً للإحصاءات، فإنّ ثلثَ الشباب المغاربة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، لم يكملوا تعليمهم الإعدادي، ممّا يؤثّر سلباً على فرصهم في الحصول على عمل.
وهذا يؤدّي بنا الى فجوةٍ واضحةٍ بين التدريب المهني واحتياجات سوق العمل. ففي حين أنّ التدريب المهني يمكن أن يكون حلّاً فعالاً لمشكلةِ البطالة، إلا أنّ جودة التدريب المهني في المغرب لا تلبي متطلبات سوق العمل. وهناك نقص في التواصل والتعاون بين القطاع الخاص ومؤسّسات التدريب المهني، ممّا يؤدّي إلى عدم استفادةِ الشركات الصغيرة والمتوسّطة بشكلٍ كافٍ من برامج التدريب المهني. علاوة على ذلك، هناك حاجة إلى تحسين ملاءمة التدريب المهني مع احتياجاتِ سوق العمل، حيث إنّ عدم التوافق بين المهارات المكتسبة ومتطلبات السوق يمكن أن يؤدي إلى بطالة إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى تغييرِ العقليات السائدة في المجتمع المغربي. ففي كثير من الأحيان، تعتبرُ العائلات أنّ الفشل في الالتحاق بالجامعة هو فشل في الحياة. وهناك حاجة إلى تشجيع الشباب على الالتحاق بالتدريب المهني، والذي يمكن أن يوفّر لهم فرصَ عملٍ أفضل ومهارات عملية أكثر ملاءمة لسوق العمل. علاوة على ذلك، هناك مشكلة في جودةِ التعليم في مدارسِ الهندسة، والتي لا تُخرّج عدداً كافياً من المهندسين لتلبيةِ احتياجات القطاع الصناعي. هناك أيضاً نقص في الاستثمار في البحث والابتكار، مما يؤثر سلباً على القدرة التنافسية للصناعة المغربية.
هناك حاجة إلى تحسين جودة الإحصاءات والوصول إلى المعلومات الدقيقة
كما أنّ هناك مشكلة في العالم القروي، حيث إنّ معظم الوظائف في المغرب تتركز في المناطق الحضرية. وهناك حاجة إلى تشجيع النساء في المناطق الريفية على إنشاءِ مقاولاتٍ اجتماعية، وتطوير الأنشطة الاقتصادية غير الفلاحية في العالم القروي.
إلى جانب ذلك، هناك مشكلة في التمويل، حيث إنّ العديد من المشاريع التي تهدف إلى مساعدةِ الشباب على إنشاءِ مقاولاتهم الخاصة تفشل بسبب عدم وجودِ مُواكبة ودراسات جدوى مناسبة. وهناك حاجة إلى تحسينِ المواكبة وتوفير الدعم اللازم للشباب الذين يرغبون في إنشاءِ مقاولاتهم الخاصة. علاوة على ذلك، هناك مشكلة في غلاء العقار، مما يؤثّر سلباً على تنافسيّةِ القطاع الخاص. وهناك حاجة إلى معالجةِ هذه المشكلة لتشجيعِ الاستثمار وخلق فرص عمل جديدة.
وأخيراً، هناك مشكلة في التضخم، والذي أصبح تضخماً بنيويّاً وليس تضخماً مستورداً. ويرجع ذلك إلى عدّةِ عوامل، منها الاستثمارات الكبيرة في الطاقاتِ المتجدّدة، والتي أدّت إلى ارتفاعِ تكلفة الإنتاج، وتراجع الخصوبة، والشيخوخة السكانية، وانخفاض الإنتاجية في المغرب. وهذه العوامل يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الاقتصاد المغربي على المدى الطويل.
في الختام، هناك حاجة إلى معالجةِ الأسباب الجذرية لمشكلةِ البطالة في المغرب، خاصة بين الشباب. وهناك حاجة إلى تحسينِ جُودةِ التعليم والتدريب، وتشجيع النساء على المشاركة في سوق العمل، ومعالجةِ مشكلة الهدر المدرسي، خاصة في المناطق الريفية، وتحسين ظروف العمل في العالم القروي، وتوفير وسائل النقل والبنية التحتية المناسبة، وتشجيع الاستثمار في البحث والابتكار، وتحسين فرص الحصول على التمويل. وهذه الإجراءات يمكن أن تساعد في معالجةِ مشكلةِ البطالة وتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.