أبطال من ورق
تعددت مفاهيم البطولة، واختلف الناس على من يطلقون كلمة بطل. ومع اختلاف مفهوم كل منا واختلاف المنظور، أصبحنا نطلق مسمى بطل على من لا يستحق، ونسحبه ممن يخالف فكرتنا عن البطولة بدون لحظة تردد. ويأخذ بعضنا الأمر إلى ما هو أبعد، فيبدأ في خوض عراك مع من يخالفه الرأي، ويكون هدف العراك الوحيد هو إقناع الآخرين بوجهة نظرنا الصحيحة وإثناؤهم عن ما عداها.
وقد رأينا جميعاً من الأمثلة ما يكفي، وما زلنا نراها يومياً أمام أية مظاهر حياة طبيعية، يحاول إخواننا في الأقطار الشقيقة ممارستها، فتتم مقابلة أفعالهم بالنكران والاتهام، وانتفاء النخوة والبطولة والشرف في بعض الأحيان.
بشكل يومي، نرى اتهامات شنيعة موجّهة لمن يحاول أن يحيا بمناطق النزاع، كفلسطين في المرتبة الأولى، ثم سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان.. إلخ.
اتهامات وغضب وحنق لا أعرف سببها أو مصدرها لأناس تعاني ما لم يختبره الشخص الحانق ولا حتى في أعتى خيالاته، فيبدأ في تسفيه فعلة شخص ما، اتهامه بأنه لا يشعر بما يدور حوله، ولا يتصرف على الإطلاق على قدر الحدث!!
وعند الاختلاف مع وجهة النظر والسؤال عن التصرف الصحيح من وجهة النظر الأخرى، وعن شخصية البطل التي يجب أن يتقمصها هؤلاء تكون الردود مجتمعة خيالية حالمة عن الحزن الأبدي وتوقف الحياة، فلا نأكل ولا نشرب أو نضحك أو ننام، ولا نعمل بالتبعية، فيتصور البعض أن هذا هو رد الفعل الوحيد المنطقي والمقبول!
بشكل يومي نرى اتهامات شنيعة موجهة لمن يحاول أن يحيا بمناطق النزاع، كفلسطين في المرتبة الأولى، ثم سورية والعراق واليمن وليبيا والسودان..
في البداية، كنا نحكم على بعضنا البعض، فكنا نهاجم من حولنا لأنه لا يشعر، وإلا لما بدر منه ما بدر من أفعال مشينة فقط لأنها لا توافق أهواءهم، وبعد انفتاحنا على بعضنا البعض من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أصبحنا نحكم على أصحاب المشكلة، ومن يعاني الكارثة، وكأننا الأعلم بما يجب أن يتم عليه كل شيء، فتجد من يخبرهم عن الطريقة المثلى للحزن وعن البطولة الزائفة التي يجب أن يتحلوا بها، فيخبرهم البعض بأن الموت لهم شرف لا يستحقه سواهم، وأن جلوسهم صامتين أشرف ألف مرة من كلماتهم غير المرتبة، وإذا ضحك أحدهم أو فرح بضيف جديد يأتي إلى دنيانا أو بزفاف وإعمار بيت جديد، تغضب الفئة الحانقة أشد الغضب، لأن الصورة الخيالية التي يسعى إليها فسدت، فيتهم من تعامل بعفوية بأنه خائن، لتشويهه الصورة التي يجب أن يراها العالم فربما يساعدهم في وقت ما.. ربما، وحتى هذا الوقت لا حق لهم في الحياة حتى وإن لم يتنازلوا عن هذا الحق بمحض إرادتهم.
وفي ضوء تجاهل صانعي القرار حول العالم دورهم الإنساني، وبغض النظر عن دورهم فيما حدث والذي تتجاهله الأغلبية، وتخاذل الكثيرين من حولهم عن تقديم يد العون، أو عدم استطاعتهم، نجد من يطالب أصحاب المأساة بالصبر والتوقف حتى يشاهدهم العالم صامدين، وماذا بعد؟؟
لا نعلم إجابة هذا السؤال بكل تأكيد، ولا نتحدث هنا عن النسيان والاستمرار في الحياة وتجاهل ما حدث، لكن الحياة لا تستمر أبداً بهذا الشكل.
ربما في القصص والحكايات، نجد البطل الخارق الذي لا يفعل أي شيء حتى يأخذ حقه من شرير القصة، ونجده جامد الوجه لا يتفاعل، ومع ذلك يقدره كل من حوله ويدعمونه ويتفهمون موقفه الذي ينتهي قبل أن تنتهي الحكاية. أما في الحقيقة، فحتى من يفعل مثل بطلنا الخارق لا يجد دعما أو تفهما ولا تنتهي مشكلته في لمح البصر، فيبدأ جسده ووقته في التخلي عنه.
في الحقيقة، نضحك لنصمد ونبكي يوماً آخر.