آمنوا بالشعب الفلسطيني
ستظلّ تلك الجملة الأيقونية التي قالها سيد قريش آنذاك، عبد المطلب بن هاشم: "للبيت رب يحميه"، هي الساتر الأخير المُستدعى في كلّ لحظات الضعف والعجز. أيضاً، لغزة ربٌ يحميها، لأهلها ربٌ يحميهم، وإن كان هدم البيت، حجراً حجراً، أهون عند الله من إراقة دم مسلم، فإيماننا بشمول أهل القطاع المرابطين منهم، والأطفال والنساء والعجائز، برحمة ربهم وحمايته عميقٌ لا ينقطع. وإنّ متمة الأمر ليست بالموت، فعزاؤنا أنّ للموت ما بعده، ولنا في فوز مؤمني الأخدود رجاء، وبعذاب الحريق ثارات.
للبيت ربٌ يحميه. بمَ؟ بطيرٍ أبابيل.
لفلسطين ربٌ يحميها. بمَ؟ بأيّ شيء إلا أنظمتنا العربية. بل، ولمَ لا يحميها بشعبها؟
إن كان هناك ما أؤمن به بعد الله في ذلك الأمر فهو الشعب الفلسطيني فقط، هو صاحب القضية وهو من أَدرك مؤخراً أنّ الخلاص لن يأتي إلّا من الداخل، ولعلّ الفارق بين الآن والنكبة، هو أنّ الفلسطيني أصبح صاحب الأرض وصاحب الحرب، ولم يعد ينتظر الوعود، ولا يصدّق بأن جيشاً آخر قد يأتيه ويلقي عدوه في البحر، وأنّ ما حكَّ جلدك مثل ظفرك. لقد آمن الفلسطيني بنفسه، ولم يعد ينتظر طيراً أبابيل، فهم الطير الأبابيل، هم المكرَّمون المستخدمون من ربّهم.
لم يكن ذلك الإيمان بين ليلة وضحاها، لقد كلّفهم خمسة وسبعين عاماً من نكبة ونكسة ومتاجرة بقضيتهم من القاصي والداني، ومن اليمين واليسار، ثمّ نضال مستمر ومتطوّر، من الحجر إلى الصاروخ. لقد كانت رائحة الدماء هي التي تفوح من كلّ ذلك، وما زالت تفوح بيد أنّ الأنف الفلسطيني قد اعتاد الرائحة، أو ربّما تطورت جيناتهم فصارت لا تعرف للدم رائحة، بيد أنّ الأنف الفلسطيني لا يُرغم على شيء.
لقد آمن الفلسطيني بنفسه، ولم يعد ينتظر طيراً أبابيل، فهم الطير الأبابيل، هم المكرَّمون المستخدمون من ربهم
في لحظةٍ ما آمنوا بالحجارة لمواجهة عدو يتسلّح بالرؤوس النووية ويتمترس بقبّة حديدية. آمنوا بها من سجيل، بدا ذلك في معركة "حجارة السجيل"، حين قصفت خلالها كتائب القسّام تل أبيب بصاروخ M75.
إذاً، بم نقاوم؟ صاروخ M75، بندقية "مارتيني"، حجارة.. هل تُرى نعدم الحجارة؟
لا يهم بِما نقاوم، "زريف الطول" جرّب كلّ السلاح الممكن وما زال، حنظلة أدار ظهره رافضاً التسوية وما زال، نحن الطير الأبابيل، وما بأيدينا، ولا شكّ، من سجيل.
على العرب أن يتوّقفوا عن معاملة الفلسطينيين معاملة الطفل الصغير، الساذج، الضعيف، الذي وجب عليه الانصياع لما يُملى عليه. الفلسطيني ليس عبئاً، وما لاقاه الشعب الفلسطيني من خيانة وتواطؤ وفشل وفساد وابتزاز الأنظمة القمعية العربية هو العبء الحقيقي على القضية. لا شأن للفلسطيني بقضية الأسلحة الفاسدة، ولا بعنتريات ومتاجرات زعماء القومية العربية من ناصر إلى الأسد، ولا مصالح الخليج، المقاومة حق إنساني لأصحاب القضية والتبرّؤ منها خيانة، فلا استحياء منها، ومن أراد مساندة القضية، فليساندها تحت جناح المقاومة، لا كوصي عليها.