الجانب الاقتصادي لصفقة القرن

27 يونيو 2019
من فعاليات ورشة البحرين هذا الأسبوع (Getty)
+ الخط -

عند نشر هذا المقال، يكون مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي وعد بالازدهار للشعب الفلسطيني قد طوى أوراقه، وعاد أصحابها والحضور إلى بلدانهم. فهل سيكون هذا المؤتمر مجرد خطٍّ في رمال الصحراء، أو ثلم في مياه محيط هادر سيزول، بمجرد أن تذروه الرياح، وتطويه الأمواج، أم أنه سيبقى ويستمر الى ما بعد ذلك؟

والواقع أن عناصر الفشل في هذا المشروع كانت واضحة. وحتى لو افترضنا أحسن النيات، وقلنا إن الهندسة التي بنت عليها إدارة الرئيس دونالد ترامب مشروع السلام الفلسطيني الإسرائيلي قد طوّرت أيضاً خريطة طريق واضحة، للوصول إلى ذلك الهدف، فما هي الأخطاء التي ارتُكبت وجعلت الجانب الفلسطيني خصوصا رافضاً لها، على الرغم من محاولات كثيرين إقناعهم بعدم رفضها، حتى يكشفوا أوراق نتنياهو الرافض لها، والراغب في تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية ذلك الرفض.

قامت الفكرة كلها على أساس البدء من نقطةٍ تزيل بعض الإشكالات الكبرى من طريق المفاوضين، فالجانب الأميركي متفقٌ مع الجانب الإسرائيلي على أن القدس يجب أن تكون عاصمةً لإسرائيل، وأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين لن يُمارَس، وإن مورس فسيبقى ضمن نظامٍ ضيقٍ جدا ومتلاشٍ مع الوقت. أي أن الحق سيمنح لخمسين ألف فلسطيني على مدى عشر سنوات لمن يبقى على قيد الحياة، والحق نفسه لا يُورّث للأبناء.
ولكن هذا الموقف يتنافى مع القانون الدولي الذي يمنح لاجئين حق العودة الذي لا يتساقط مع الزمن. ولذلك اتخذت الإدارة الأميركية خطواتٍ من جانب واحد، وهي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مبنى القنصلية الفلسطينية في القدس، وإغلاق القنصلية فيها.

والأمر الثاني هو قطع المساعدات الأميركية البالغة 260 مليون دولار عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ما أوقعها في حرج كبير. وإلغاء الوكالة يعني تحويل قضية اللاجئين من الخصوصية الفلسطينية إلى العمومية الدولية. وهذا إضعافٌ لمطالبهم.

ولمّا رفضت السلطة ذلك، أغلقت الإدارة الأميركية مكتب تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في الولايات المتحدة، وقطعت المساعدات عن السلطة الفلسطينية، ما أوقع الأخيرة في حرج مالي كبير، خصوصا أنها ترفض تسلّم عوائدها الضريبية منقوصةً من الجانب الإسرائيلي الذي يريد أن يحسم منها مبالغ وجهتها السلطة إلى أسر الشهداء والأسرى، تحت دعوى إسرائيل أن هذا ليس إلا دعماً للإرهاب وقتلاً للأبرياء.

بعد كل هذا التباين والتمييز في المعاملة، واللاتماثلية في المقترب، أجل الإعلان عن الجانب الأساسي في صفقة القرن، بعدما كان مقرراً في شهر فبراير/ شباط أو مارس/ آذار من هذا العام. وبعدها أعلن نتنياهو الانتخابات المبكرة في شهر مارس/ آذار، ما أجل الإعلان إلى ما بعد الانتخابات.
ولما وقعت الانتخابات، ولم يتمكّن الرئيس المكلف (نتنياهو) من تشكيل الحكومة، أعلن موعداً جديداً في سبتمبر/ أيلول لانتخابات جديدة. وأعلن مجدّداً تأجيل الإعلان عن محتويات صفقة القرن السياسية إلى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، حين تكون المدة القانونية لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة قد انقضت.

وفي هذه الأثناء، لم يجر تأجيل الإعلان عن المُكوّن الاقتصادي للصفقة، بل أصر الجانب الأميركي على إعلان هذا المكون في مؤتمر البحرين في موعده يومي 25 و26 من شهر يونيو/ حزيران الحالي، وقد أفصح مستشار الرئيس ترامب وصهره، كوشنر، عن مشروعه، لوكالة رويترز، قبل أيامٍ من مؤتمر البحرين.

وبالتمعن في هذا المحتوى الذي رفضه الجانب الفلسطيني، أولاً ينوي إنفاق خمسين مليار دولار على مدى عشر سنوات، بمعدل خمسة مليارات كل سنة. وسوف ينفق حوالي نصف المبلغ داخل الأراضي الفلسطينية على مشروعات بنى تحتية، مثل الطريق الواصل بين غزة والضفة الغربية، وبناء الميناء والمطار في غزة، وإنشاء تجمعات إنتاجية. وهذه المشروعات كلها كما قال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتيه، في مقابلة مع "CNN"، مأخوذة من أدبيات البنك الدولي ومؤسسة بيكدار الفلسطينية.

أما الأردن، فسوف يناله أكثر قليلاً من خمسة مليارات دولار ستنفق على طريق باص سريع بين عمان والزرقاء، وعلى بناء المراحل الثلاث من قناة البحرين، وعلى مشروعاتٍ صغيرة ومتوسطة موجهة للاجئين، وكلها مشروعات أردنية يجري العمل عليها أو التمهيد لها.

ويتناسى تنفيذ هذه المشروعات بعض الحقائق على الأرض: كيف ستبنى الطريق بين قطاع غزة وأراضي الضفة الغربية بدون موافقة حركة حماس؟ أم أن تنفيذها سيعتمد على تغيير هذا الواقع أو الضغط على حماس كي تقبل؟ أين ستقع هذه المشروعات، وأي جهةٍ ستكون مسؤولة عن التراخيص والمواقع، والتشغيل، والضرائب؟

إذا كانت ستبقى رهينة قرارات القوة القائمة بالاحتلال، فلا فائدة منها من حيث الحل الشامل. وإذا لم يكن هنالك حل شامل، فلتنفذ هذه المشروعات ضمن الوضع الراهن، من دون ربطها بصفقة القرن.
طالما أن جندياً أو جندية إسرائيلية تجلس على ظهر دبابة، وبيدها بارودة مسلّطة على المارّين في الأراضي المحتلة تسمح لمن يشاء بالمرور، وتمنع من تشاء، فلا فائدة من كل هذه المشروعات الاقتصادية، هذا إذا كانت هنالك مصداقية مستمرة عشر سنوات لتنفيذها.

وطالما أن التمويل ومصادره غير واضحة، وإذا صحّ ما يقال إنه على شكل مشاركات استثمارية، أو ديون ميسرة، أو تمويل عربي، فلتعط السلطة هذه الأموال مباشرة من الجهات المانحة أو الممولة من دون وساطة إسرائيلية أو أميركية، لأن هاتين الجهتين لن تقدّما شيئاً لتمويل هذه الخطة؟ فلماذا تعطى هاتان الجهتان الفضل والهيمنة على أمرٍ لا تساهمان فيه إلا بالضغوط والتهديدات وإيقاف التمويل وحجبه؟

في نهاية المطاف، إذا نفذت المشروعات، فهذا يعني تكريس الاحتلال واستمراره. وما دام الجانب الفلسطيني يرفضها، فإن احتمالية استمرار اندفاع جاريد كوشنر وغيره للسير فيها سوف يجفّ، لأنها لن تحقق ما يصبو إليه رئيس وزراء إسرائيل وبطانته.

ولكن على الجانب الفلسطيني أن يسأل: وماذا بعد؟ وإذا طويت صفحة صفقة القرن، فما هي النتائج؟ هنالك الكثير للتفكير فيه، خصوصا في مناخ عربي لاهٍ بمشكلاته الخاصة، أو راغبٍ في إنهاء القضية الفلسطينية؟
المساهمون