مرصد العدالة الإجتماعية: موازنة القهر في العراق

27 أكتوبر 2014
الفقر يتفشى في المجتمع العراقي(فرانس برس/getty)
+ الخط -
فاق حجم موازنة العراق منذ عام 2003 حتى اليوم الـ538 مليار دولار، ‏إيراداتها في غالبيتها ‏من النفط، ليأخذ الجانب التشغيلي الحصة الأكبر من نفقات ‏الموازنة. ‏وتتصدر احتياجات الأمن والدفاع أبواب الإنفاق، فيما تطرق العدالة ‏الاجتماعية باب ‏الموازنة سنوياً، فلا تجد من يوليها الاهتمام المطلوب.‏ ‏
ويعتبر العراق من الدول الأكثر إنتاجاً للنفط عالمياً، وباحتياطي يحتل مراكز ‏عالمية ‏متقدمة كذلك، وبرغم ذلك يعيش العراقيون في فقر وبطالة وحرمان ‏تتزايد نسبتها ‏عاماً بعد عام. وبرغم الأرقام الرسمية التي تعلن انخفاض ‏معدلات الفقر والبطالة، لتعود وترفعها في فترة الأزمات، إلا أن شكوكا كثيرة ‏تدور حول صحة هذه الأرقام، وخصوصاً مع وجود واقع مرير ومنظور يجثم ‏على أجساد العائلات العراقية.‏
ويقدر حجم موازنة العراق في العام الحالي بحوالى 150 مليار دولار، وقد ‏اعتبرت ‏الأعلى في تاريخ هذا البلد، بزيادة 30 مليار دولار عن العام الذي ‏سبق، وبإيرادات ‏تشكل الصادرات النفطية حوالى 93% من قيمتها الاجمالية. ‏وبرغم هذا المدخول ‏النفطي المرتفع، أعلنت بعثة الأمم المتحدة في العراق ‏‏"يونامي"، في منتصف العام ‏الماضي، أن 6 ملايين عراقي من أصل 33 ‏مليوناً ما زالوا يعيشون تحت خط الفقر. ‏ولفتت البعثة إلى وجود تفاوت طبقي واضح في العراق من حيث مستوى ‏الدخل، وذلك "نتيجة تفشي الفساد على نحو واسع بعد عام 2003 وغياب ‏العدالة الاجتماعية".‏

غياب العدالة الاجتماعية

وفي السياق ذاته، حذرت منظمة الأمم المتحدة، في العام الماضي أيضاً من ‏‏"تدهور وضع الأمن الغذائي في العراق، مع استمرار التدهور الحاصل في ‏الأراضي الزراعية وأنظمة الري والمناخ، في مقابل ارتفاع حجم الاعتماد على ‏استيراد المواد الغذائية. وقالت إن نحو ستة ملايين عراقي يشكلون ما نسبته ‏‏20% من السكان "محرومون من الغذاء، أو يتعرضون لانعدام الأمن ‏الغذائي‎"‎‏.‏
يوضح الخبير الاقتصادي معتز فهد لـ"العربي الجديد"، أن موازنات ‏العراق لم ‏تنتهج العدالة الاجتماعية فعلياً، لا بل يمكن القول إنها وفرت العدالة ‏لشريحة ‏الموظفين فقط، في حين أغفلت شريحة كبيرة من المواطنين الذين أغلبهم وصلوا إلى ما ‏دون مستوى خط الفقر. ‏لذا فإن السلطة العراقية، وفق فهد، عمدت بسياساتها المالية والاقتصادية إلى ‏تعميم ‏نقص الخدمات من ماء وكهرباء وسكن وتعليم وبنى تحتية...‏ ‏
تصريح يعيد الضوء إلى تقارير كثيرة تحدثت عن حجم الفساد الحاصل في ‏عملية التوظيفات الحكومية، والرواتب التي تُدفع للمحسوبيات والتي تقدر ‏بملايين الدولارات.‏
ويشرح الخبير الاقتصادي ملاك عبد الرضا أمين لـ"العربي الجديد"، أن ‏الحكومات ‏العراقية تصدر منذ عام 2003 حتى الآن قرارات وآليات بشأن ‏الموازنات المالية لم ‏تنم العراق لا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا حتى أمنياً. أما ‏السبب فهو أن مفهوم العدالة الاجتماعية يجب أن يرتبط بخلق نمو اقتصادي ‏وإنتاجي ومعيشي. ‏
لكن الواقع في مكان آخر، إذ يوجد، وفق أمين، ‏ما يقرب من الـ9000 ‏مشروع منذ عام 2003 حتى الآن، وقيمتها الإجمالية ‏تتجاوز الـ250 مليار ‏دولار، لكن لم ينجز منها سوى 400 مشروع فقط، أما ما بقي منها فمتوقف أو ‏تم إلغاؤه نتيجة الفساد والتلكؤ في العمل. ويعتبر الخبير الاقتصادي أن هذا ‏الواقع أدى إلى تفشي البطالة المقنعة التي وصلت ‏نسبتها حتى اليوم إلى ‏‏24%، كما أن مستوى المعيشة لم يرق إلى مستوى الطموح، ‏فضلا عن أن ‏الوضع الأمني في تدهور مستمر... لذا، يستنتج أمين، أن هذه المؤشرات ‏تطرح الكثير من التساؤلات حول حجم الموازنات وآلية توزيع نفقاتها. ‏

الامن الاستثنائي

من جانبها، تشير عضو اللجنة المالية في مجلس النواب ماجدة التميمي ‏لـ"العربي ‏الجديد"، أن أبواب الموازنات تعددت بحسب حاجة البلاد لها في كل ‏عام. لكن باب ‏الأمن والدفاع في كل الموازنات كان يأخذ الصدارة، بسبب ‏الوضع الأمني الاستثنائي ‏الذي يعيشه العراق، فتجده يصل إلى 17% من حجم ‏الموازنة العامة، عدا موازنة ‏الطوارئ التي تتراوح بين 5 و10% أيضاً. أي ‏أن ما يذهب لاحتياجات الأمن ‏والدفاع يصل عادة إلى 30% من حجم ‏الموازنة.‏ ‏
وتلفت التميمي إلى أن في ذلك سلبيات كثيرة على مستوى التنمية الاقتصادية ‏للبلاد، لكن ‏أيضاً لا يمكن تحقيق أي تطور اقتصادي بلا استقرار أمني. ‏
إلا أن مستشار وزارة المالية العراقية لطيف الدين أحمد يقول لـ"العربي ‏الجديد"، إن الدولة ‏العراقية ومنذ عام 2003 أعطت شيئا من العدالة ‏الاجتماعية في موازناتها من ‏خلال توفيرها درجات وظيفية تقلل من حجم ‏البطالة التي تزيد نسبتها في كل عام. وذلك ‏فضلاً عن توفير مبالغ تعين العائلة ‏العراقية على تخطي الفقر من ‏خلال أموال الرعاية الاجتماعية.‏
ويشرح أحمد أن الموازنات طيلة السنوات العشر ‏الماضية اتجهت إلى ‏تخصيص وظائف حكومية بمئات الآلاف حتى ارتفعت نسبة ‏الموظفين ‏الحكوميين، وفق وزارة التخطيط، حتى النصف ‏الأول من عام ‏‏2014 إلى نحو 301%، حيث بلغ عدد الموظفين الحكوميين نحو خمسة ‏ملايين و800 ألف موظف ‏يتقاضون رواتبهم من الحكومة. وهذا الأمر يشكل ‏عبئاً كبيرا على موازنة الدولة ‏التشغيلية.‎ ‎
ويتابع أحمد أن الموظفين الحكوميين ليسوا وحدهم من يتقاضون رواتب من ‏الحكومة، ‏فهنالك 2 مليون متقاعد و7 ملايين شخص ينتمون إلى ‏شبكة الرعاية ‏الاجتماعية.‏
ويضيف أحمد أن موازنات العراق منذ عام 2003 حسنت من المستوى ‏المعيشي ‏للمواطن، فبعد أن كان دخل المواطن قبل عام 2003 يصل إلى 700 ‏دولار في السنة أصبح اليوم 7000 دولار في السنة الواحدة، فضلاً عن أن ‏الموازنات قللت من ‏مستوى الفقر؛ حيث إن مستوى الفقر حتى عام 2003 ‏وصل إلى 80% من سكان ‏العراق. أما اليوم فوصل إلى 17%، وهذا قبل أحداث العاشر من يونيو/حزيران الماضي ‏عند اجتياح تنظيم "داعش" لعدد من ‏المحافظات العراقية والذي تسبب في وصول نسبة ‏الفقر في البلاد إلى 30%.‏ ‏
‏فعلياً، لم تعمل الحكومات العراقية على سياسات اقتصادية قائمة على التوزيع العادل للثروة، ولم تستغل النفط لتطوير أسس اقتصادية متينة تزيل شبح الفقر والبطالة عن العراقيين، إن لم يكن الآن، فللأجيال اللاحقة.
المساهمون