انهيار النفط..خسائر فادحة تفرض التكامل الاقتصادي العربي

17 ديسمبر 2014
تدهور أسعار النفط يجبر العرب للاتجاه نحو للوحدة الاقتصادية(getty)
+ الخط -
حانت لحظة انهيار أسعار النفط، لتجد الدول النفطية العربية نفسها أمام أخطار ليست اقتصادية فقط بل سياسية، تفرض عليها الإسراع في بناء اقتصاديات متنوعة، وتفعيل مشروع التكامل الاقتصادي العربي من منطلق تبادل المصالح لتجاوز هذه الأزمة العاصفة.
وحسب خبراء، ستمتد آثار تدهور أسعار النفط إلى أبعد من المشاكل الاقتصادية، ليصل تأثيره إلى الجوانب السياسية والصراعات في المنطقة العربية، إذ سيكون ما حدث من ثورات الربيع العربي بالنسبة لها أمراً شديد التواضع.
وحذر مصرف غنجلترا المركزي في تقرير له أمس، من أن هبوط أسعار النفط قد يغذي التوترات الجيوسياسية في العالم، وفي تقديراته نصف السنوية للمخاطر المالية العالمية، قال المصرف المركزي إن قلق السوق من استمرار تباطؤ النمو والمخاطر السياسية تزايد على مدى الأشهر الستة الأخيرة، وحذّر من أن المستثمرين قد يتخلصون من الأصول عالية المخاطر.

أزمة ليست طارئة

ما تعيشه الدول النفطية العربية بخصوص هبوط أسعار النفط، لا يعد أزمة طارئة، ولكنها أزمة قد تطول من حيث البعد الزمني، كما سيكون لها تداعياتها التنموية والاقتصادية على كافة دول المنطقة العربية، حسب تصريحات مسؤولين خليجيين بارزين، يؤكدون أن أزمة انخفاض أسعار النفط سوف تؤثر على التنمية في دول الخليج.
واضطرت الدول الخليجية إلى إلغاء جزء من الدعم ورفع أسعار الوقود للحد من خسائر تدهور أسعار النفط وارتفاع معدلات التضخم، المتوقع أن تصل إلى 3.1% بحلول عام 2015، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
ولكن هل ستدفع هذه اللحظة الدول العربية لما هو أكثر من اللوم والبكاء على اللبن المسكوب، وتنتقل إلى خطوات عملية تؤدي إلى مشروع حقيقي للتكامل الاقتصادي العربي؟
حسب خبراء، لن تقف التداعيات السلبية لانخفاض الأسعار على الدول النفطية فقط، ولكن ستمتد آثاره إلى جميع الدول العربية، ففي الأجل القصير انهارت أسواق الأوراق المالية العربية، متأثرة بهبوط أسعار النفط، وخسرت عشرات المليارات من الدولارات خلال الأيام القليلة الماضية.
وهوت البورصات العربية بشكل حاد وجماعي أمس، وكانت الأسواق الخليجية الأكثر هبوطاً حيث فقدت سوق دبي أكثر من 7.27%، وأبوظبى 6.9%.

وبعد خسائر أسواق المال تتأهب الدول العربية للموجة الثانية المتمثلة في تراجع قطاعات الإنتاج السلعي والعقارات وأسواق السياحة، وهو ما يعني دخول الاقتصاديات العربية في دوامة من الركود والبطالة وارتفاع معدلات التضخم.

الغذاء والبطالة

حسب التحليلات فإن الدول النفطية العربية هي صحراوية بطبيعتها الجغرافية، وتعاني أزمة مياه بشكل كبير وتعتمد على تدبير احتياجاتها من الماء عن طريق التحلية، والمطر، بينما الدول العربية غير النفطية، يتاح لديها موارد طبيعية أخرى تمكنها من وفرة إنتاجية في مختلف مجالات الإنتاج السلعي، وبخاصة السلع الاستراتيجية التي يحتاجها الوطن العربي، ففاتورة الغذاء العربي وصلت قيمتها السنوية 60 مليار دولار.
ولا تخص فاتورة الغذاء الدول النفطية وحدها، ولكنها تخص كافة الدول العربية، وهو ما يمثل أحد نقاط الضعف في الأداء الاقتصادي العربي، سواء على المستوى القطري أو الإقليمي، على الرغم من مقومات تحقيق الاكتفاء الذاتي عربيا من خلال آلية التكامل بين الأقطار العربية.
ويمثل التكامل العربي ضرورة اقتصادية وسياسية للمنطقة بصورة أكبر مما كانت تطلبه أوقات ماضية، فالزيادة السكانية التي تشهدها المنطقة تفرض نفسها، لاستيفاء فرص العمل والعيش الكريم، ولا يصلح معها الرضى بمعدلات البطالة المرتفعة التي لامست نسبة 20 % من القوى العاملة، وهي نسبة من أكبر معدلات البطالة على مستوى العالم، فضلاً عن البطالة بين الشباب التي وصلت لمعدلات 29%.
وما يترتب على تزايد أعداد العاطلين، ليس فقط مجرد نقص في الدخول وزيادة معدلات الاستهلاك، وارتفاع قيمة الواردات، ولكن سيكون لها تداعياتها السياسية والاجتماعية بصورة كبيرة، سيكون ما حدث في الربيع العربي بالنسبة لها أمرا شديد التواضع.
فالشباب العربي يجد من حوله تجارب نجحت مؤخراً وانتقلت بدولها من قاع التخلف إلى مصاف الدول الصاعدة، وتجتهد هذه الدول في اللحاق بالدول المتقدمة، والشعوب العربية على الرغم مما هي فيه من مشكلات اقتصادية، ما زال لديها أمل في الخروج من حالة التخلف، والانقسام العربي، والتفريط في فرص التكامل سوف يؤدي إلى فقدان هذا الأمل.

لقد أدت أزمة انخفاض أسعار النفط إلى توجيه انتقادات للسياسات الاقتصادية للدول النفطية، وبخاصة الخليجية، وبدأت تصريحات الأثرياء العرب تنتقد أداء الاقتصاديات النفطية، فقد صرح الوليد بن طلال رجل الأعمال السعودي، بأن اعتماد السعودية على النفط يعرض اقتصادها للخطر، وطالب بضرورة تفعيل فوائض الدولة من خلال الصندوق السيادي.

تاريخ من الفشل

لدينا تاريخ طويل من الفشل في تجربة التكامل الاقتصادية، ولكن الظروف الحالية تفرض نفسها، ولم يعد البعض يملك ترف الاستغناء عن التجربة التكاملية، وبالتالي لا بد من البدء من هذه اللحظة، التي تعكس ضياع الموارد الاقتصادية للوطن العربي بلا ثمن، وينبغي أن تتخذ خطوات جادة لتحقيق التكامل من أجل إنقاذ الجميع، وتستلزم هذه البدايات الصحيحة اتخاذ عدة خطوات، منها إرادة سياسية إيجابية، وزيادة الاستثمارات البينية البالغة 103 مليارات دولار، حسب التقرير السنوي عن مناخ الاستثمار، خلال الفترة 2001 و2012، استحوذت السعودية والإمارات على نسبة 75% منها، وحصلت مصر على نسبة 10 %، وباقي الدول العربية كان نصيبها جميعا 15%، وهنا يجب توجيه الاستثمارات البينية إلى دول العجز المالي، وبخاصة الدول الأشد فقراً.
كما يجب تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بشكل جاد، التي لم تتحرك منذ سنوات عن نسبة 10% من حجم التجارة الخارجية للعالم العربي.
ويصبح البديل لعدم توجه الدول العربية لتطبيق جاد لتجربة تكاملية، هو المزيد من التفكيك في المنطقة، حيث ستفترسها المشروعات الإقليمية الأخرى، وستسعى لتفكيكها حسب مصالحها، وحينها لن تكون الموارد المالية أو الطبيعية أو البشرية ذات قيمة، أو هدف، بل ستكون مستهدفة من قبل الآخرين لنهبها.
المساهمون