خالد علي: السيسي يتبنى سياسات مبارك لحماية رجال الأعمال

27 يناير 2015
خالد علي يحذر من خطورة تجاهل مطالب العمال(فرانس برس)
+ الخط -
أكد الناشط السياسي والحقوقي المصري، خالد علي، أن العامل دفع ثمناً باهظاً لبرنامج الخصخصة (بيع الشركات العامة)، مشيراً إلى أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتبع نفس خطوات الرئيس السابق حسني مبارك، الذي أطاحت به ثورة 25 يناير.
وإلى نص المقابلة:

*يعرف عنك أنك رافض لبرنامج الخصخصة "بيع القطاع العام"، وتخوض نضالاً قانونياً ضد هذا المشروع برفع دعاوى قضائية لإلغاء عقود بيع المصانع والشركات، هل لك أن تشرح لنا موقفك من هذا البرنامج، ورؤيتك لتأثيره على الأوضاع السياسية والاجتماعية في مصر؟
موقفي من مشروع الخصخصة ينقسم إلى شقين، الأول اقتصادي وسياسي، حيث إنني ضد مشروع الخصخصة لأكثر من سبب، أولها عدم استفادة المجتمع منها لأنها تمثل أحد أشكال توزيع الثروة لأصحاب النفوذ القريبين من دوائر الحكم. والثاني عدم إضافتها جديداً للاقتصاد، بمعنى أن المصانع والشركات تنتقل ملكيتها إلى المستثمر فلم يضِف ذلك قوة إنتاج جديدة، أو رأس مال إضافي؛ بل استحوذ المستثمر المشتري على مصانع قائمة، وقامت أغلب الشركات المباعة بتخفيض عدد العمال والإنتاج.
وبالتالي فإن الخصخصة لم تحقق شيئاً على مستوى جذب الاستثمارات، بل إنها جسدت تفكيك بنية الصناعة المصرية، وتحويل جزء أساسي منها إلى عقارات عن طريق تفكيك الآلات وتحويل المصانع القريبة من المدن السكنية إلى أرض مبانٍ وبيعها في السوق العقاري.
أما الشق الثاني على المستوى القانوني، فإن مشروع الخصخصة في مصر عبارة عن عمليات فساد صارخة للدرجة التي دفعت القضاة بأن يكتبوا في حيثيات الأحكام في الدعاوى المرفوعة لإلغاء عقود البيع، "إن هذه الأسباب بلاغ إلى كل الجهات الرقابية للتحقيق في وقائع الفساد التي شابت عملية الخصخصة".
فهناك عمليات بيع تمت بالأمر المباشر دون مزاد أو مناقصة، وقد تم تقييم الشركات نفسها بطريقة تهدر القيمة السوقية والقوة الإنتاجية، وخلت عقود البيع من الشروط التي تضمن الحفاظ على الصناعة واستمرارها، كما خلت عقود البيع من شروط واضحة قاطعة تضمن حقوق العمال واستمرارهم في العمل، وهو ما فتح الباب للمستثمرين لإغلاق تلك المصانع وتشريد عمّالها في حالات كثيرة.
ومن النماذج الصارخة على عمليات الخصخصة وبيع المال العام، حصول الأمير السعودي الوليد بن طلال على حوالى 125 ألف فدان بسعر 50 جنيهاً للفدان. وقد أعطاه عقد البيع المحرر مع الدولة الحقَّ في استقدام عمال أجانب كيفما شاء، وأن يحصل من الدولة على المياه والكهرباء بالسعر الذي تصل به تلك المرافق للمواطن العادي، كما اشترط العقد ألا تمر البذور والتقاوي التي يستخدمها في زراعة الأفدنة على الحجر الصحي.
كما أن هذا الأمر غير ملزم بدورة زراعية معينة، وبالتالي يزرع ما يشاء لا ما يتطلبه السوق المحلي، كما أنه يستطيع أن يصدر كل الإنتاج إلى الخارج!

*الحكومة دفعت باستحالة تنفيذ أحكام استرداد الشركات التي تم بيعها بحجة انتقال ملكية أصول تلك الشركات من مستثمر لآخر أكثر من مرة، أو أن هذه الأصول لم تعد موجودة أصلاً. هل لك رد على هذا الكلام؟
هذا الكلام غير حقيقي، فقد تم تنفيذ عدد من أحكام استرداد الشركات، منها حكم "عمر أفندي" و"الشركة العربية للتجارة الدولية"، كما أعلن عمال شركة طنطا للكتان استعدادهم لتشغيل الشركة إذا مكنتهم الحكومة منها.
ولدينا مثال ونموذج ناجح يمثل أبلغ رد على ادعاءات الحكومة هو الإدارة العمالية لشركة نوباسيد، لإنتاج البذور فقد تم خصخصتها لصالح مستثمر سعودي، وقد هرب المستثمر بعد أن تحفظ وزير الزراعة على أمواله تاركاً الشركة وفي خزينتها 24 جنيهاً ومدينة للمرافق وللعمال بأجور متأخرة، ومكّن وزير الزراعة العمال من إدارة الشركة وبعد عام من إدارة العمال للشركة، استطاعوا تسديد كل ديون الشركة، ودفع أجور العمال المتأخرة، ولكن وزارة الزراعة أعادت الشركة مرة أخرى إلى المستثمر وفي خزينتها 20 مليون جنيه.

*في رأيك، من دفع فاتورة برنامج الخصخصة؟
العامل بشكل خاص والمواطن بشكل عام هما من دفعا تلك الفاتورة. العامل المصري بعد أن أفنى عمره في العمل وفي بناء مصانع وهيئات القطاع العام وكان يتمتع بدرجة من الأمان الوظيفي وعلاقات عمل متوازنة نسبياً، وحصل على بعض الحقوق المالية والاجتماعية، أضحى العامل عرضة لسيف الفصل التعسفي وأهدرت حقوق العامل، بل وتم طرده بعد ذلك من قبل المستثمرين ورجال الأعمال.
أما المواطن المصري فقد خسر قاعدة صناعية وخدمية كانت تقدم له السلع والخدمات بسعر معقول، وبعد الخصخصة أصبح فريسة لارتفاع أسعار هذه السلع والخدمات التي احتكرتها الشركات الرأسمالية الكبرى.

*كيف تم بيع وتفكيك شركات القطاع العام من قبل نظام مبارك؟
حقيقة الأمر أن برنامج الخصخصة أظهر بشكل واضح أن الفساد في مصر ليس فردياً متعلقاً بشخص محدد أو وزير معين، بل أظهر فساداً ممنهجاً، بعد إصدار الدولة لقانون قطاع الأعمال العام، أنشأت ما يسمى اللجنة الوزارية للخصخصة، وكانت مهمة هذه اللجنة تقييم أصول الشركات والهيئات المطروحة للبيع، وبدورها شكلت هذه اللجنة مجموعة من لجان التقييم ووضعت عدة شروط يجب عليها الالتزام بها أثناء عملية تقييم الأصول، وهي: تقييم الآلات والسيارات والمعدات "بالقيمة الدفترية"؛ وتقييم سعر متر الأرض لأي شركة أو هيئة مطروحة للبيع بسعر المتر في أقرب مدينة صناعية، وعلى سبيل المثال تم تحديد سعر المتر لأرض شركة طنطا للكتان بسعر 25 جنيهاً للمتر، وفقاً لسعر المتر في مدينة السادات، في حين كان سعر المتر في محيط الشركة يتجاوز 10 آلاف جنيه!

وبالتالي كانت هذه القواعد التي وضعتها الحكومة ممثلة في لجنة الخصخصة، كانت الستار الذي يتم من خلفه كل عمليات الفساد وتفكيك القطاع العام وبيعه بسعر "التراب".. ولم تكتفِ الحكومة بكل ما سبق، وكانت عمليات البيع تتم تقريباً بالأمر المباشر بالمخالفة للقانون، الذي يفرض أن يكون البيع بالمزاد العلني وبالتالي تم التلاعب في القيمة الحقيقية لشركات القطاع العام مرتين: مرة أثناء تقييم الأصول ومرة أثناء البيع!

*كم عدد الدعاوى القضائية التي رفعتها لاسترداد الشركات التي تم بيعها؟ وهل القانون الذي صدر لحماية الخصخصة بعدم الطعن على عقود البيع يمكن أن يمنع تكرار رفع هذه القضايا؟
الدعاوى التي رفعتها وصدرت فيها أحكام هي ثماني قضايا كبرى، منها شركات (عمر أفندي، المراجل البخارية، طنطا للكتان، غزل شبين، النيل لحليج الأقطان، العربية للتجارة الدولية) وهناك عشرون قضية متداولة بالمحاكم، أما بالنسبة للقانون 32 لسنة 2014 بشأن حماية عقود البيع والذي يمنع العمال والمواطنين من الطعن على الخصخصة، فقد رفعت دعوى أمام المحكمة الدستورية بعدما صرحت لنا المحكمة التي تنظر قضية نوباسيد.

*هل الهيئات العامة، مثل الكهرباء والمياه والنقل العام والسكك الحديدية، التي تحولت إلى شركات قابضة مستهدفة من برنامج الخصخصة؟

بالتأكيد الهدف من هذه الخطوة فتح طريق لخصخصة الخدمات العامة وإلغاء الدعم الذي يستفيد منه الفقراء، وبالتالي تحمل تكلفة وأسعار أعلى، وتابعنا جميعاً رفع أسعار الكهرباء على سبيل المثال.
بعد أن انتهى نظام مبارك من خصخصة القاعدة الصناعية والتجارية تقريباً، كان يستهدف الانتقال إلى مرحلة خصخصة الخدمات والمرافق العامة، إلا أن الفضل يرجع إلى ثورة 25 يناير التي أوقفت قطار الخصخصة المدمر ولو مؤقتاً، ولكن النظام الحالي بقيادة عبد الفتاح السيسي يتبنى نفس السياسات ويعمل على إعادة قطار الخصخصة للعمل مرة أخرى، بل ويسد حتى المساحات القانونية والقضائية مثل إصدار قانون حماية العقود الذي يلزم المحاكم برفض الدعاوى التي تطالب بفسخ عقود بيع الشركات.

*تقريباً الكل يرفع شعار العدالة الاجتماعية، كيف ترى موقف النظام الحالي تحديداً منها؟
مبارك نفسه كان يتحدث عن العدالة الاجتماعية وكذلك السيسي، لكن كله مجرد كلام، فالعدالة الاجتماعية هي انحياز إلى السياسات التي تخدم الطبقات الفقيرة والمهمشة في المجتمع، وتقدم لها العيش الكريم.

* نقلاً عن "العربي الجديد" الانجليزية
المساهمون