روسيا تبحث عن مَخرج عبر "غايدار"

16 يناير 2015
أحد مراكز التسوق في العاصمة موسكو (getty)
+ الخط -
يلقى منتدى "غايدار" الاقتصادي، الذي أطلقته الحكومة الروسية، أمس الأول الأربعاء، اهتماماً فائقاً هذا العام، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها روسيا، ومؤشرات انهيار الروبل أمام الدولار، وعجز البنك المركزي عن حل هذه المسألة، على الرغم من ضخ عشرات المليارات من الدولارات في السوق المالية.
وتترقب الحكومة والقطاع الخاص، ما قد يطرحه هذا المنتدى من مقترحات وحلول، أو يؤكده من مؤشرات الأزمة وإمكانية تطورها، لتتبين قطاعات الأعمال على أي بر ترسو، وعلى أي أساس ستتابع نشاطها، أو ربما انسحابها من سوق الاستثمار الروسية، نحو مزيد من تعميق الأزمة.

تضارب حكومي

تمت مباشرة أعمال المنتدى تحت شعار عام، هو أن البلاد تنتظرها أوقات عصيبة. ويبدو أن الاختلافات ضمن الحكومة الروسية جزء من الأزمة. فمن الكلمات الأولى تمت ملاحظة تناقضات واضحة بين وزراء الكتلة الاقتصادية في الحكومة حيال السياسة المالية. فقد تمسك وزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكاييف، بضرورة الحفاظ على سياسة موازنة مرنة، في حين انتقد وزير المالية، أنطون سيلوانوف، هذا الطرح.
علماً أن وزير المالية كان قد صرح في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، بأن الروبل يميل إلى الاستقرار، وتحدث عن ثباته عند حدود 50 روبلا مقابل الدولار، فيما السعر الذي حدده البنك المركزي، أمس الخميس، هو 66.9 روبلا مقابل كل دولار، ما يعكس، فقدان السيطرة، إلى حد ما، على الأزمة التي تتصاعد.
ويعقد منتدى غايدار دورته الحالية على خلفية مراجعة البنك الدولي، قبل يومين، لتوقعاته حول الناتج المحلي الإجمالي الروسي لعام 2015، وأنه سيتراجع هذا العام بنسبة 2.9%، وليس 0.7% كما كان مقدرا في السابق.

تصنيف مُهدد

وقال وزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكاييف، أمس، رداً على سؤال حول تقديره لإمكانية أن تخفض وكالة ستاندر آند بورز، التصنيف الائتماني لروسيا إلى المستوى "غير مقبول"، بأنه "احتمال كبير". علما أن هذه الوكالة وضعت تصنيف روسيا الائتماني في حالة مراجعة لمدة ثلاثين يوما، مع إمكانية خفضه. ويقول مراقبون، إن أي تخفيض جديد لتصنيف روسيا الائتماني يضعها خارج مقياس الاستثمار.
وأكد وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، في مداخلته في منتدى غايدار الاقتصادي، أمس، أن إيرادات الميزانية الروسية في عام 2015 ستنخفض بمعدل 3 تريليونات روبل، في حال كان متوسط سعر برميل النفط 50 دولارا.
إلى ذلك، رأى نائب وزير التنمية الاقتصادية الروسي، أليكسي فيديف: أن ذروة التضخم، ستكون على الأرجح في مارس/آذار وأبريل/نيسان، وقال: "آمل أن تكون أقل من 20%، وأن تبقى كمعدل سنوي في حدود 15-17%".
ويبدو الطابع السياسي والشعبوي لتصريحات رئيس الحكومة الروسية واضحا. فقد قال رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، إن "السلطة لن تقف مكتوفة الأيدي بانتظار ارتفاع أسعار النفط. فظروف ومتطلبات اقتصادنا باتت من حيث المبدأ مختلفة عما كانت عليه".
وأضاف في تصريحات، خلال منتدى "غايدار": "سنتعلم العيش في ظروف انخفاض أسعار مصادر الطاقة"، مشيرا إلى أن" روسيا لا تنوي الانغلاق عن العالم. لقد عبرنا مسافة طويلة في طريق الاقتصاد الكلي من النمط الغربي. وسيكون من الخطأ أن نعود إلى الماضي. إضافة إلى ذلك، لن تتخلى السلطة عن تعويم صرف الروبل". وأكد أن سياسة البنك المركزي التي تتعرض لانتقادات شديدة في أوساط الأعمال الروسية "صحيحة ولا ننوي "التهام" احتياطات العملة الصعبة".

مدفيديف، يقول ذلك، وكأن الأزمة التي نضجت حتى عبّرت عن نفسها في أشكالها الحالية (انهيار العملة، ومؤشرات البطالة والتضخم المرتفعة، وتراجع الناتج الإجمالي المحلي، والقضاء على الطبقة الوسطى، والتضييق على الاستثمارات الصغيرة.. إلخ)، والمرشحة للتصاعد نحو أشكال كارثية، لم تتم في ولايته كرئيس للبلاد، ثم كرئيس لوزرائها، وهو الذي بخلاف الرئيس بوتين ممتدح بليبراليته.

نقاشات حول الأزمة

جرت أنشطة اليوم الأول من أعمال منتدى "غايدار" تحت عنوان "اقتصاد كلي ذو وجه إنساني"، وأنجزت خلاله 13 حلقة نقاش، بمشاركة خبراء في الاقتصاد والسياسة والمجتمع. ومن أهم الموضوعات التي نوقشت: "مستقبل اقتصاد صحي"، شارك فيها وزير المالية، أنطون سيلوانوف، ومدير مصرف التسليف الروسي "سبيربانك روسيا"، هيرمان غريف، ووزير التنمية الاقتصادية، أليكسي أوليوكاييف؛ كما تمت مناقشة التغيرات في النظام المالي والسياسي العالمي ضمن حلقة "بريكس: وجهة نظر من الداخل".
وجاء في سياق النقاش أن التطورات تدفع نحو إنشاء بنك تنمية جديد يمكن أن يصبح بديلا عن البنك الدولي.
وفي السياق، نال موضوع "الاتحاد الأوراسي: التوقعات والآفاق"، حيزا مهما من النقاش، تداول خلاله الاقتصاديون مستقبل التكامل الأوراسي، وإمكانات التقارب مع اتحادات أخرى، وتعزيز الأثر الإيجابي الناجم عن مثل هذا التقارب؛ كما تم التوقف عند الدروس المستفادة من الأزمة المالية الأخيرة، في حلقة تحت عنوان " السياسة المالية: تهدئة السوق أم زعزعة الاستقرار".
وناقش الخبراء الاقتصاديون مسائل الاقتصاد السياسي المعاصر والنتائج المحتملة لأزمة الرأسمالية، في حلقة تحت عنوان "هل هناك مستقبل للرأسمالية؟"، كما ناقشوا موضوع "النمو السكاني والهجرة" تحت سؤال: "هل يلوح مخرج من الأزمة"؟، وهل من الممكن تحقيق تنمية اقتصادية في ظروف التقليص العميق والمديد للقوى العاملة؟
ومن بين موضوعات اليوم الثاني لأعمال المنتدى الهامة "التمويل الإسلامي، فرص واعدة، ومخاطر".
فهل يثمر هذا النشاط الاقتصادي السياسي الكبير عن خطوات على الأرض تحسّن مستوى حياة الناس، وتبعد عنهم شبح فقدانهم فرص عملهم وضياع مدخراتهم؟
المساهمون